ملحمة إنسانية في عنكاوا

قدم اهالي عنكاوا والساكنين فيها ملحمة إنسانية فريدة من نوعها، وذلك من خلال قيامهم بوقفة مشرفة تجاه العوائل التي زحفت من مناطق بغديدا قره قوش الى ناحية عنكاوا الشامخة، جاءت هذه العوائل بعدما تعرضت بلدتهم الى قصف عشوائي من قبل القوى الظلامية الغادرة في الدولة الاسلامية في الشام والعراق ( داعش ).
وكان شعبنا في قضاء الحمدانية قد تعرض الى ازمة حقيقية وخوف من المجهول لمدة اربعة ايام متتالية، لم يتعود عليها من قبل بسبب القصف المدفعي من قبل الارهابيين على مناطقهم، وكان الارباك واضحا ً على كل شيء في هذه البلدة، مما ادى الى اخلاء الناس مدينتهم بسرعة قياسية لخوفهم من اعمال عدوهم الغادر الذي يقوم بأبشع الجرائم ضد من يختلف معهم ان كانت في عقيدتهم او مذهبهم التكفيري.
وقد نزحت مجاميع سكانية كبيرة من مدينة بغديدا قره قوش العريقة والمقدسة الى مدينة عنكاوا اذ قدر عددهم ما يقارب ( 12 ) الف شخص من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب، وعلى الفور فتحت لهم اكثر من ( 21 ) موقع من قاعات الكنائس، والمدارس، وبنايات مؤسسات المجتمع المدني، كما قام الاهالي والساكنين فيها بفتح دورهم لهذه العوائل والتي قدر عددها اكثر من ( 300 ) دار، وقدموا كل المستلزمات الاولية التي احتاجها القادمون، فضربوا مثلا ً رائعا ً في الضيافة والاصالة والمحبة الصادقة.
وجاءت التبرعات من مختلف المنظمات الدولية والمحلية العاملة في أقليم كوردستان، ومن اصحاب المطاعم والقاعات والمحلات التجارية، فضلا ً عن الاهالي في عنكاوا، والتي كانت عبارة عن مواد اغاثة من ( الاغطية - والافرشة - وحليب الاطفال - وصناديق الماء - وتقديم ثلاث وجبات طعام يوميا ً لكل العوائل في هذه المراكز ).
ولا بد من الاشادة بانتفاضة اهالي عنكاوا والساكنين فيها من ناحية الاستقبال والكرم الذين كانوا بمستوى عال من القيم الانسانية والخلق الرفيع من خلال تبرعاتهم وتطوع شاباتهم وشبابهم في إغاثة النازحين، الى جانب قيام الكنيسة المؤقرة ومؤسساتها الخيرية بدور متميز وتنسيق جيد مع كافة منظمات المجتمع المدني العاملة في هذه البلدة الاصيلة في تلبية احتياجات هذه المراكز.
فتحية لشباب عنكاوا واهلها الطيبين والساكنين فيها على هذه الملحمة الانسانية وعلى هذه الوقفة المشرفة.
كما لابد من الاشادة بالموقف الوطني والشعور العالي بالمسؤولية لأبناء شعبنا في محافظة دهوك واربيل ومناطق ( تلكيف - القوش - شرفية - بطنايا - تللسقف - برطله - بغديدا - كرمليس - شقلاوة - وزاخو والقرى التابعة لها ( ديرابون - قره وله - فيشخابور - بيرسيفي - ليفو - شرانش - وكندالا ) من خلال فتح الكنائس والاديرة والبيوت والمدارس الموجودة في هذه المناطق للعوائل السنية والشيعية وعدد من العوائل المسيحية التي نزحت قسرا ً من مدينة الموصل بعد احتلال المجاميع الاجرامية لهذه المحافظة، لتوكد اصالة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العراق من
خلال مشاركته في محنتهم العصيبة هذه، والقيام بخدمتهم، وليثبت على انه شعب يؤمن بالمحبة والوفاء والمصير المشترك، ويرغب بالتعايش والتآخي بين جميع العراقيين.
وقبل احداث قره قوش بيومين كنا في زيارة الى بلدات سهل نينوى الشمالي والجنوبي، وعند تجوالنا فيها راينا بأن هذه المناطق مهملة، والخدمات فيها معدومة، وتأتي في مقدمتها الماء والتيار الكهربائي وخدمات البلدية والوقود، ناهيك عن الملفات الاخرى، رغم ان هذه المناطق لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن مركز محافظة نينوى.
اننا ندعو الحكومة للاهتمام بهذه المدن ورفع المعاناة عنهم من خلال المعالجات الفورية للأمور الاساسية وفي مقدمتها صرف رواتب الموظفين، ومنح الحصة التموينية في اوقاتها لانها الركن الاساسي لحياة كثير من العوائل، وايصال التيار الكهربائي، وحفر الآبار، وتوفير التنكرات والحوضيات لإيصال الماء لهذا الشعب الصابر، وإيقاف كافة التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في هذه المدن التاريخية.