البعض يقول بأن أوباما نجح بإرساء سياسية أميركية جديدة, تختلف عن سياسة من سبقوه. وتقوم على زج الآخرين بفتن وصراعات وحروب دامية ومدمرة, تخدم مصالح بلاده وإسرائيل. وبدون أي تدخل عسكري أمريكي على الأرض تزهق فيه أرواح الجنود الأميركيين, وبكلفة مادية لن يكون لها من أثر يذكر على ميزانية واقتصاد بلاده. وبهذه السياسة يأمل بأن يضاف أسمه إلى قائمة الرؤساء المؤسسيين التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية. وأن سياسته هي من تشفي جروح بلاده من حروبها في فيتنام والعراق وأفغانستان. فالرئيس أوباما على قناعة بأن:
- السياسات الاميركية السابقة هي من شوهت صورة بلاده, وهي من أرهقت ميزانيتها وكبدتها الكثير من الخسائر بالأرواح والعتاد, وهي من أصابت اقتصادها بالعطب.
- الصدام مع صقور الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبعض عتاة المحافظين الجدد ونتنياهو وحزبه أمراً لا مفر منه. وهؤلاء سينتقدونه وإدارته, ويصفونه بأنه رئيس متردد. وحملتهم يجب أن لاتوهن من عزمه. ولن يظفروا منها سوى بقرقعة إعلامية.
- العدالة في العلاقات الدولية والقوانين والمجتمعات هي الكفيل بتحقيق الأمن والسلام. وغيابها أو تجاهلها يحول المجتمعات إلى غابة أو مستنقع تستوطنه كافة ظواهر العنف والارهاب. فالكبت يولد الانفجار، والقوة تخلق رد فعل فحواه القوة، والقهر ينمي إرادة، والتضييق على الناس واضطهادهم يدفع بالجماهير إلى المواجهة، والمواجهة قد تشعل النار, والتباطؤ بإطفاء النار يزيدها اشتعال. وهذه النار قد تحرق البشر والحجر والأخضر واليابس. وهذه الحقائق يعرفها الرئيس أوباما جيداً. فهو من تولى رئاسة مجلة هارفارد للقانون، وعمل في الأنشطة الاجتماعية ومستشار للحقوق المدنية في شيكاغو قبل حصوله على شهادة المحاماة, وأستاذ مادة القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو, ومديراً لمشروع المجتمعات النامية (DCP), وخبير استشاري ومدرب لمؤسسة جاماليل (معهد اجتماعي وتنظيمي), وتولى إدارة مجلس الإدارة في لجنة المحامين للدفاع عن الحقوق المدنية بشيكاغو, وأول من قاد تجمع لمعارضة الحرب على العراق عام 2003م. ولأن مهمة رئيس الولايات المتحدة الأميركية محصورة بخدمة مصالح بلاده الاحتكارية والاستعمارية, فعليه أن يوظف قناعاته وخبراته للمتاجرة بمنطق العدالة وقيم الحرية والديمقراطية, واللعب براعة على الهامش بين قيم العدالة وبين مصالح وأمن بلاده وحلفائها وحليفة بلاده إسرائيل. لتأجيج الصراعات في الدول العربية والاسلامية والدول التي لا تحظى سياستها برضا بلاده لزيادة حدة الصراع بين الأنظمة والجماهير في هذه الدول, والتلاعب بعواطف الشعوب والجماهير من موقف بلاده من الصراعات بما يضمن تحسين صورة بلاده.
- إدارة جورج w بوش زجت الولايات المتحدة بحربي أفغانستان والعراق. وذرائع حربها الحرب على العراق كاذبة ومزورة. وخسرت الحرب في العراق التي تسببت في موت مئات الألوف من العراقيين وستة آلاف جندي أميركي، ودمرت الاقتصاد الأميركي, وجرّت الاقتصاد العالمي معه إلى الهاوية. وأجبر الرئيس بوش على توقيع اتفاق مع الحكومة العراقيّة لسحب القوات الأميركيّة, والذي أجبر الرئيس أوباما على تنفيذه. والرئيس بوش يجب أن يحاكم هو وأبيه على ما ألحقاه بالولايات المتحدة من خسائر وأخطار, إلا أن غياب منطق العدالة في الولايات المتحدة الأميركية يجعل محاكمتهما غير ممكنة. ولهذا فعليه التقيد بمصالح بلاده وأمنها القومي, والتعامل مع كل حدث وحادث جديد ومستجد بما يخدم أمن ومصالح بلاده. مع التقييد بالثوابت التالية:
- إلتزام إدارته بتقنين الضربات الجوية بالطيران والصواريخ. واللجوء إليها لمواجهة خطر الارهابيين والمتطرفين كضربات محدودة إذا اقتضى الأمر.
- لا عودة لوحدات قتالية أمريكية للعراق, ولا لإرسال قوات لدول أخرى.
- عدم اعتماد الحلول العسكرية للمشاكل والازمات والأحداث. والدعم الأميركي العسكري أو السياسي لطرف من الأطراف إن حصل فهو وسيلة ضغط لإجبار طرف أو باقي الاطراف على الانخراط في الحل السياسي أولاً, وثانياً لضمان انخراطهم في المشاركة بمحاربة قوى التطرف والإرهاب.
- الرئيس أوباما وإدارته سيتعاملان مع كل رئيس منتخب, وهما لا يستطيعان اختيار قادة للدول. فاختيار الرؤساء والحكومات أمر يعود للشعوب. وعلى الشعوب أن ترتقي فوق خلافاتها, وتتوحد كي تتوصل لحل سياسي للأزمات التي تعصف بها. وهو وإدارته لن يجزعا على من يطاح به من الرؤساء إن كان بطرق ديمقراطية أو غير ديمقراطية. فالصراعات الداخلية في الدول العربية والإسلامية هي نتيجة طبيعية لإحتقانات وصراعات ومشاكل قديمة. وزيادة حدة هذه الصراعات يخفف من العداء للسياسة الأميركية ولإسرائيل.
- الولايات المتحدة الأميركية لن تتدخل بأي عمل عسكري لدعم طائفة على حساب طائفة أو طوائف أخرى, أو لتحقيق نصر لطائفة على طائفة أخرى, أو لإيقاف حرب أهلية في أية دولة. وأي تدخل عسكري أميركي يجب أن تكون أهدافه مضمونة, ولحماية المصالح الأميركية والأمن القومي.
- الرئيس وإدارته يهمهما أن تكون الحكومات نتاج عمليات انتخابية نزيهة. إلا أن على الحكومات التي أفرزتها الانتخابات أن تشمل كافة المكونات في الوطن. فواشنطن تريد من العملية الانتخابية ونزاهتها أن تكون شكلية فقط. فالحكومة يجب أن تتسع للموالاة والمعارضة وللأقليات وليس للأغلبية فقط.
- لا مكان لمن يراهن على القدرات العسكرية الاميركية. فلا توجد قوة نيران أمريكية قادرة على حل المشاكل إذا لم يتمكن زعماء كل بلد من تجاوز الدوافع الطائفية, والعمل على ضمان وحدة بلادهم. فالصراع الدائر في بعض الدول نتيجة الانقسامات الطائفية المتفاقمة, يكون حله من قبل الأخرى يمكنهم تقديم المساعدة السياسية والقانونية والمادية فقط.
- معالجة المشاكل التي تعصف ببعض الدول بالتصريحات الفارغة. وتحميل المسؤولية عن المشكل أو النزاع أو الأزمة لباقي الأطراف بنسب مختلفة.
- إيران يمكنها لعب دور بناء في حل المشاكل والازمات وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة, إذا حذت حذو واشنطن في الضغط على كافة الأطراف.
سياسة الرئيس أوباما يؤيدها الجنرال الأمريكي مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة. حيث حذر من أن هناك نقص في المعلومات الاستخبارية لدى الجيش الأمريكي لكي يقوم بعمل في العراق. كما أن هناك في الكونغرس من يقول بأن الطيارين سيواجهون صعوبة في معرفة من يهاجمون من الجو. كما أن الرئيس الأميركي أوباما لا يأبه كثيراً بمعارضيه ومنتقديه. والسبب أن سياسته الجديدة التي سار عليها خلال مدة ولايتيه جعلتهم يتخبطون بمواقفهم وتصريحاتهم, والتي تصب بعضها في مصلحته. وها هو الحاكم المدني الأمريكي للعراق غارنر الذي أشرف على عملية إعادة أعمار العراق والمنتقد لسياسة أوباما وإدارته من سوريا والعراق, يكشف عن تخبطه, فقال في حديثه مع CNN: أدعوا الإدارة الأمريكية إلى النأي بالنفس عن أحداث العراق الراهنة وعدم التدخل. فما نراه حاليا هو حرب العرب ضد العرب، حرب دينية، لا أرى أي حاجة للدخول في الوسط. و الوضع الراهن أكثر خطورة بكثير على إيران من الولايات المتحدة، أنا شخصيا لا أدعم توفير أي قوى جوية أو برية عن تلك الضرورية لحماية سفاراتنا أو العاملين بها. قمنا بعمل جيد بالدخول للعراق، وآخر مستهتر لدى خروجنا من هناك. وفشلت الولايات المتحدة والعراق في توقيع اتفاقية أمنية تقضي بوجود قوات أمريكية بعد انسحاب الجيش الأمريكي أواخر 2011م. وعرضنا للخطر المكاسب والعمل الجيد الذي قمنا به. واشنطن ارتكبت خطأ بالعراق بعد احتلاله. منها عدم تأسيس نظام فيدرالي, عندها كان سيكون هناك ارتياح عرقي وعشائري وطائفي... ...........ما من أحد في العراق يريد أن يحكم بواسطة بغداد. دعمنا المالكي رغم علمنا بأنه سيحرم الأكراد وسيضطهد السنة وسيكون حليفاً لإيران. ومع ذلك جددنا دعمنا له عام 2014م رغم معرفتنا التامة به. رسمنا خطا أحمراً في الرمل بشأن سوريا، ثم تراجعنا بجبن، وأدركت المليشيات المسلحة بأننا لن نفعل شيئاً. واستطلاع اجرته صحيفة نيويورك تايمز وقناة CBS News, جاءت نتائجه لصالح أوباما, حيث بينت النتائج أنه رغم انتقاد سياسته إلا أن الكثير يؤيد الرئيس. والنتائج هي:
- وجود استياء لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي والشارع الامريكي من اسلوب ادارة اوباما للسياسة الخارجية للمرة الاولى منذ عام 2009م.
- 52% من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع وثلثهم من الديمقراطيين غير راضين عن تعامل أوباما وإدارته مع موجة العنف في العراق.
- وأن 56% من الأميركيين يؤيدون استخدام الطائرات المسيرة في العراق. وهو خيار قال عنه مستشارو اوباما بانه ما يزال خيار مطروح على الطاولة.
- غالبية الأمريكيين تؤيد القسم الأكبر من اجراءات أوباما تجاه الازمة في العراق، والتي تتضمن دعم احتمالية شن ضربات جوية باستخدام الطائرات المسيرة.
- الاستطلاع يوثق وجود ازمة ثقة متزايدة بالرئيس وقيادته, ووجود قلق عميق من ان يؤدي تدخل أوباما في العراق الى تورط ثاني طويل الأجل ومكلف.
- 58% من الأميركيين يرفضون الطريقة التي يتبعها الرئيس اوباما بإدارته للسياسة الخارجية للبلاد. وقد ارتفعت النسبة عشرة درجات خلال الشهر الماضي ليصل الاستياء إلى اعلى مستوى منذ ان تولى الرئاسة في 2009م. وأن الارتفاع بنسبة عدم الرضا جاء صارخاً وخصوصاً بين الديمقراطيين حيث قال ثلثهم انهم غير موافقين على اسلوب ادارته للسياسة الخارجية. وهذا معناه أن حدة الصراع الحزبي كبير.
- تأييد 37% من الاميركيين لسياسته تجاه العراق.
- نقلت الصحيفة عن النائب الديمقراطي ميشيل روبرتس, قوله: انا اعطيت صوتي لأوباما لأنه قال (اعطوني اربعة سنوات اخرى وسأصلح كل شيء)، وانا اعرف انه يريد محاربة الارهاب، ولكن يجب عليه ارسال طائرات مسيرة وليس جنود. وتساؤل قائلاً: من اجل اي شيء يقتل رجالنا ونساءنا هناك.
- رغم الاستياء حول قيادة اوباما فان 51 % من الأميركيين الذين استطلعت آرائهم وبضمنهم الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين, يقولون بأنهم أيدوا قرار أوباما الاخير بإرسال 300 مستشار عسكري للعراق.
وجهت انتقادات كثيرة للرئيس اوباما وإدارته من تعاملها مع الأحداث في سوريا والعراق. ومع ذلك يؤكد الرئيس اوباما على عدم التدخل في سوريا و العراق, مع تكرار قوله أن الاختيارات ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. ومنها شن ضربات عسكرية بطائرات من دون طيار, وإرسال مزيد من الخبراء العسكريين إلى العراق ودعم المعارضة المعتدلة في سوريا. والأسئلة المطروحة: هل نجح الرئيس أوباما بضم أسمه لقائمة المؤسسين التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية؟ وهل سينتهج كلا الحزبان الجمهوري والديمقراطي بعض سياسة أوباما مستقبلاً, ومنها إبقاء نار الفتن الطائفية والمذهبية متقدة بين بعض الشعوب وبعض الدول
|