قبل ان يفوت الاوان .. استيقظي ايتها النوارس

يحب المياه والمستنقعات ويفضل المناطق المعتدلة الحرارة، انيق في مظهره، جميل في الوانه التي يطغى عليها اللون الابيض، لون الاناقة، الصفاء، الرقة والاعتدال. انه طائر النورس .. طائر الغرام والمحبة ومدلل الشعر والادب. انه مدللهم جميعا .. ربما لانه يفضّل الشواطيء وضفاف الانهار والبحيرات وهذه ملاذات آمنة للباحثين عن التقاطات جميلة ومعبرة بين الشعراء، وملتقى لاهل العشق والغرام، وربما لانه قريب من النفس بهي الطلة يسرّ الناظرين. من هنا تجد لهذا الطائر حضور مفرط في نصوص الشعراء القدماء منهم والمعاصرين، كل يستحوي النورس في سياق مختلف، فيكتب قامة الشعر العراقي مظفر النواب في قصيدة "دوامة النورس الحزين ": " تذكّر المحيط يلصق الدجى بصمته .. والموج شب لؤلؤا قساح فضة .. فنام في القرار هادئا كأجمل المعادن .. فضض ريشه كزهرة الثلج على احتضاره... لمّ حوله أشرعة الخيال والضباب والمدى .. وضجة السفائن .. فمات في موكبه البحري رغم سجنه الصغير وارتج على .. الدجاج أجراس الرذاذ؟".
ولمظفر ايضا عن النورس في قصيدة "قراءة في دفتر المطر": " في الليل .. يضيع النورس في الليل .. القارب في الليل .. وعيون حذائي تشم خُطى امرأة في الليل.. امرأة ليست أكثر من زورق لعبور النهر .. يا امرأة الليل .. أنا رجل حاربت بجيش مهزوم .. ما كنت أحب الليل بدون نجوم".
اما الشاعر الفلسطيني عدنان كنفاني فيكتب في "ملحمة النورس": " وأنا.. يا بضعة عمري بعد قليلٍ.. وأطيرْ.. وأعود إلى الركن الدافئِ رُكني.. الآن فقط تعرفُني الأنواء.. تناديني .. يا نورسَ هذا القطب فضاؤك عادَ إليك .. فتألّقْ بالأجنحة السمراء وكنّ..". وعنه تكتب الشاعرة بلقيس حسن في قصيدة "عادت النورس امّاً":
"ها انا اليوم كلُ حضني شموسٌ وفرات ٌودجلة ٌ وقصيد ُ
فمن الشط ِ عزف ليل ٍ ونجوى ومن الفجر ِسرّهُ المعهودُ
وانا النورس ُ الذي ملـّت الغربة ُمنه ُوجرّحتهُ الحدود ُ
صاخبا في زمان صمت ٍ ويعلو فوق سَرج الاحلام ِ وهي تميد ُ".
وفي مقطوعة " في مساء الــمرفأ" يقول سعدي يوسف: "ثلاثُ نوارسَ .. دارتْ ، مسرعةً ، حولَ هوائيّ الفندقِ ثم مضتْ ، مسرعة ، نحو البحرِ . ..مساءٌ يتمهّلُ في الطُّــــرُقاتِ .. وفي خطواتِ الفتَياتِ .. وفي عرباتِ الباعةِ ...لكنّ الليلَ سيأتي ، حتى في هذا الحيّ الشعبيِّ .. سيأتي الليلُ ...وتنأى خُطُواتُ الفتياتِ.. وتنأى عرباتُ الباعةِ". وللسعدي نفسه مخاطبا البصرة الفيحاء في قصيدة "مصطفى" حيث يكتب: " مدينتنا ! .. مَـن ضيّـعَ عاداتِ النورسِ ؟ .. من جاءَ بغربانِ الجثثِ الأولى؟ .. من جاءكِ بالأكياسِ الرمليةِ يا فيروزَ الشطآنْ ؟".
وكما للشعراء التقاطاتهم المميزة عن طائر النورس فللروائيين علاقة من نوع آخر مع ذلك الطائر، الكاتب الامريكي ريتشارد باخ وفي احدى اشهر روايات العقد السبعيني رواية "النورس جوناثان" يفضّل ان يرمز للحرية والارادة من خلال هذا الطائر الانيق، فعن ذلك الخفقان اللا محدود للنوارس وتيهانها المقصود في الفضاء يقول الكاتب على لسان احد النوارس:"يجب ان تفهموا ان النورس هو فكرة غير محدودة للحرية، وصورة للنورس الاعظم". وسط هذا الضجيج والاحتقان والالم.. كم نحن بحاجة اليك ايتها النوارس.. فتعالي مسرعة قبل فوات الاون.