مدن نظيفة لصد داعش

أخفقت الحكومة الفدرالية ومعها الحكومات المحلية في حل قضية الخدمات، وخلال أحدى عشرة سنة من عمل متخبط، غير مدروس صارت قضية رفع النفايات واحدة من أعقد الأعمال التي تواجه أي حكومة منتخبة جديدة، حتى باتت أعمال مثل بناء مدرسة او مصنعا او سوقا شعبية حديثة واحدة من سابع مستحيلاتها، ونكاد نجزم بأن الفشل هذ أدى في بعض تمظهراته إلى إخفاقها في تحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب، ذلك لأن التنظيمات المسلحة وعلى اختلاف أشكالها إنما تجد ضالتها في الخراب والمدن غير المنضبطة، مفقودة القوانين، سيئة الخدمات لشعورها بأن المواطن هنا متذمرٌ، ناقمٌ على الحكومة تلك وقد يكون النيل منها عبر التفجيرات متناغماً مع نقمته وتذمره.
وفي خطوة بدت متأخرة جداً أصدر مجلس محافظة بغداد الأحد الماضي قراراً يقضي بفرض غرامة قدرها نصف مليون دينار على كل من يتسبب بتشويه منظر بغداد، وهو قرار معدّل عن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم 296 لسنة 1990 وشمل القرار كل متجاوز على الحدائق العامة والمتنزهات والمقاولين الذين يرمون انقاض البناء والسكان الذين يرمون النفايات في الشوارع والذين يغسلون سياراتهم على الأرصفة وفي الأزقة وكذلك يجري تفعيل قرار حسن الجوار وهو سابق للمجلس المنحل أيضاً. لكن مجلس المحافظة يعترف بصعوبة تنفيذ القرار، وهو أمر مقلق حقاً، لأننا نعلم أن عشرات القرارات التي صدرت ومئات اللجان التي شكلت في بغداد وسواها من المدن لم تؤد إلى شيء مع الأسف.
إذا كان اليابانيون يعلّمون أولادهم دروساً في الأخلاق حتى نهاية المرحلة المتوسطة، وهم على القدر الذي عليه من الأخلاق والاحترام والتسامح والإخلاص في العمل، وإذا كان الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون يخرجون منذ الساعات الأوى للصباح عاملين وبنائين ومكدودين ونحن نعلم أروبا وأمريكا على ما نشاهد من التطور والتقدم، حتى ليعتقد أحدنا بأن ما وصلوا له من العلم والتقدم في مجالات الحياة مجز وكاف لهم لمئات السنين القادمة، بل يوعز كثيرون إلى أن احترام القوانين والخوف من مخالفتها سر من أسرار تطور أمريكا . ترى لماذا لا تفعل الحكومة لدينا احترام وتطبيق أنظمة المرور، إجازات السوق، رقابة الأسواق، عيادات الاطباء، اسعار الادوية في الصيدليات وعشرات القوانين التي لا علاقة لها بنظام صدام حسين بعد مضي اكثر من عقد من السنوات على التغيير، ثم ألم تصدر جملة القوانين والتعديلات في عهد النظام ذاك عن مشرعين قانونيين عراقيين، لماذا لا نستل منها ما ينفع، وبما يساعدنا على بناء الانسان الصعب عندنا، هذا الذي تمرد حتى على نفسه نتيجة متوالية القهر والاهمال التي تعرض ويما زال يتعرض لها؟
وفي العودة لقانون مجلس محافظة بغداد نجد أن الحكومات المحلية في المحافظات معنية به أكثر من غيرها، وحكومة البصرة المحلية التي يجري الحديث عن اعتماد مدينتها عاصمة للثقافة العربية عام 2018 معنية اكثر من غيرها، أم أن المحافظين وأعضاء المجالس يجدون في مداهمة داعش والمسلحين للموصل وتكريت والرمادي حجة في الابتعاد عن تحقيق آمال مواطنيهم في الخدمات والعمل والتشييد، غير مدركين بأن واحدة من معجزات طرد الارهاب والارهابيين إنما تكمن في رؤيتنا لمدننا نظيفة، لشوارعنا خالية من النفايات، لحدائقنا عامرةً بنسائنا وأطفالنا، لبساتيننا خضلة مثمرة، لإنساننا آمنا من وصول سيارة البلدية لداره ومقتنعاً بأداء المسئولين فيها.
مشاهد مثل المدينة النظيفة الخالية من النفايات ورؤية باص النقل العام وهو يتهادى ممسكاً بالطريق، وسيارة نقل الطلبة صباح كل يوم، وسيارة الإسعاف بضوئها وصوتها المميزين ومعها سيارة المطافي وهي تقف نظيفة متهيئة لأي طارئ، الموظف الأمين الحريص على أداء وظيفته كما يجب، وسيدة البيت وهي تختار آمنة مطمئنة تشتري الفاكهة والخضار، الفلاح الواثق بان ما بذره وكدَّ في زراعته سيأتي ثمره قريباً، غير خائف ولا وجل من مد ملحي ومتجاوز مسلح على أرضه، وعشرات المشاهد الحياتية الاخرى، عناصر أكيدة في منع الإرهاب من دخول مدننا، أمصال تقي أجساد وأرواح أبنائنا وبناتنا من كل خطر، وتجعلهم اقوى وأشد حزما في الوقوف بوجه داعش وغيرها.