لماذا لا يكون الانسان من المقدسات ؟

تشتعل أوار الحروب و تقتل الرجال وتستباح الاعراض وتغتصب النساء و تيتم الاطفال و تهجر العوائل تحت عناوين و يافطات إما إزاحة اللامقدس أو الدفاع عن المقدس ، و تجد الرجال يتسابقون للموت من أجل المقدس أو النيل من اللامقدس بحسب الزاوية التي ينظرون اليها أو بحسب زاوية من ينظّر لهم ، فتكون الارواح و الانفس أرخص سلعة في هذه المعركة تبذل بلا بخل في ساحة المقدسات فلماذا لا يكون الانسان من ضمن هذه المقدسات ؟ 

هل يمكن أن نتصور مقدساً ما بلا أنسان يقدسه ؟ فقدسية أي شيء هي من أجل الانسان و ليس العكس و لكن ما يحصل هو فناء الانسان من أجل المقدس ، لقد نظر الاسلام الى الانسان كقيمة عليا حتى وضع حرمته أفضل من حرمة افضل المقدسات و هي الكعبة بيت الله الذي يحج اليه كل المسلمين في العالم كما ورد في الحديث الشريف (روي ان رسول الله (ص) نظر الى الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك، وما أعظم حرمتك على الله، والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لأن الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء. عندما قام التكفيريون بتفجير مرقد الاماميين العسكريين في عام 2006 أشتعلت حرب أهلية في العراق و ان لم تكن معلنة أستنزفت الالاف من الناس من طرفي النزاع من السنة و الشيعة على حد سواء و مازالت تبعاتها الى اليوم و ولدت لنا بالاضافة الى جيوش الايتام و الارامل و المعاقين جيوش و قوى تمتهن القتل بدم بارد و تعتاش على الجريمة اكتظت بهم الكهوف المظلمة والسجون التي تحولت الى مدارس لتعليم و تدريس الفكر التكفيري و فن القتل الجماعي بواعز الانتقام من الاخر المختلف مذهبياً ، واليوم أعيد بناء المرقدين العسكريين أفضل مما سبق و لكن لم يستطع أحد أعادة الحياة الى عائلة فقدت أحد أبنائها أو يعوضهم عن خسارة سعادتهم بلا عودة ؟

قد يكون هو الصراع الأزلي بين الانسانية و المادية الذي أسقط بظلاله على رؤيتنا حتى لطبيعة المقدسات و الاطر التي تدور في فلكها والتي يفترض أن تكون حالة معنوية بحد ذاتها و لكن ميلنا الى المادية بفعل الثقافة المادية المعاصرة التي أفقدت الانسانية معانيها السامية جعلنا نقدس الماديات الملموسة و المحسوسة و هذا هو الاختبار في ايمان المرء من سموه و رقيه في المعاني أو تسافله و أنحطاطه نحو المادة و ينعكس هذا الصراع بين الروح التي هي جزء من الاله (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) و بين الجسد المخلوق من التراب والذي يمثل الغرائز و الشهوات و لا يمكن اهمال تأثير الثقافة الغربية  والتي كانت تنادي بالإنسان كقيمة عليا و غاية في شعاراتها و لكن الواقع أثبت أنه ( الانسان ) تحول الى وسيلة للكسب المادي و محطة لقضاء الشهوات و سلعة للمتاجرة تباع وتشترى عند قلة من المترأسين الرأسماليين ، علينا نحن البشر ان نعرف اننا أقدس المقدسات لأننا خليفة الله في الارض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)  فما لله سبحانه و تعالى من قدسية هي للإنسان بشرط أن يلتزم بمسؤولية الخلافة الالهية في الارض .