حكومة الإنقاذ – حلقة في خطة “ينون” الإسرائيلية للعراق

قلنا في الحلقة الأولى من هذه المقالة والتي كانت بعنوان "حكومات الإنقاذ - تأريخ امريكي لفرض العملاء على الحكومات المنتخبة "(0): إن أكثر الأسلحة الأمريكية شيوعاً في دفع الأنظمة المنتخبة المترددة في دول الضحايا، لحفر قبرها بيدها، هو العمل على حقن الحكومة بالعملاء من جهة، ودفعها إلى إصدار عفو عام عن مجرميها من الجهة الأخرى، لكي يعاد استخدامهم ضدها. وهو الأسلوب الذي تمت ممارسته بالضد من مختلف الدول في العالم وأخذنا أمثلة من أميركا الوسطى وكذلك الحكومة العراقية. وأن الهدف النهائي من ذلك هو إسقاط الحكومة بيد مجموعة من العملاء المباشرين القادرين على سوق البلاد وتحويلها إلى بئر للنفط لأميركا وإسرائيل وإلى مركز لتفريخ الإرهابيين الذين ستدربهم إسرائيل وعملاؤها لضرب بقية الشعوب التي مازالت تقاوم. وقلنا ان فرص الدول التي تقاوم الضغط الأمريكي وتتحمل مخاطرته لديها في العادة فرص أكبر للبقاء على قيد الحياة من تلك التي تجامله وتعطيه فرصاً إضافية لتحطيمها، كما يحدث في العراق.

 

وقد يتساءل المرء، لماذا لا تحاول أميركا رعاية مصالحها بطرق الصداقة السلمية؟ لماذا هذا الحماس الأمريكي الشديد لوضع الحثالات في السلطة في كل مكان في العالم وحقن الحكومة والأمن والجيش بالعملاء؟ لأن الإحصاءات في كل أنحاء العالم، وخاصة في العالم العربي تؤكد لأميركا أنها دولة كريهة لا يلتف حولها إلا حكومات بدون رضا شعبها، إلا ربما بلدين أو ثلاثة يكون فيها الشعب مستفز بالعنصرية أو الخوف فيلجأ إليهما طلباً للقوة. ومن ناحية أخرى فأن من الضروري لتبرير الإحتلالات، أن تدعي أميركا أنها جاءت من أجل الديمقراطية. ولكن إن تحققت ديمقراطية فعلية وجاء ممثلوا الشعب إلى البرلمان فسيكون هو والحكومة عدواً لها وسوف يصعب عقد أية اتفاقات معها. لذا لم يكن من بد سوى أن تسيطر أميركا على الحكومة بطرق أخرى، كتزوير الإنتخابات والإعلام المزيف وغيرها، فإن فشلت في إيصال رجالها إلى رأس السلطة، توجب عليها أن تشل الحكومة البديلة حتى لو كانت حكومة "وسطية" ثم الإنقلاب عليها بطريقة سلمية أو عنيفة. وخير طريق لذلك هو جعلها تحفر قبرها بيديها من خلال إجبارها على إدخال عناصر مدسوسة تعمل لحساب الولايات المتحدة، في كل مرفق مهم ممكن، وخاصة الجيش والأمن والإعلام. وتحقق هذه العناصر لأميركا نجاحات هائلة وتوفر لها مبالغ كبيرة وتخضع الدولة لسلطتها المتزايدة. وهناك أيضاً عامل آخر خطير الأهمية في القرار الأمريكي، ينطبق على العراق دون بقية الدول، سوف نتطرق إليه في نهاية المقالة.

 

ما الذي يحدث اليوم؟ راجعنا فترتين سابقتين كانت الأولى في نيكاراغوا في الثمانينات الدموية في أميركا الجنوبية حين كان نيكروبونتي يدير الإرهاب فيها من قاعدته في هندوراس، وفترة الحكم الأولى في العراق، ولاحظنا شدة التشابه بينهما. وليس الأمر صدفة إن علمنا أن نيكروبونتي هو ذات الشخص الذي قدمته أميركا كأول سفير لها في العراق! 

هذه "الأزمة" والحلول المقترحة لها ليست سوى تكرار للدورة المكونة من 1-  حقن العملاء في الجيش والحكومة 2- تحقيق الإنتصارات بهم على الشعب العراقي، ثم نعود إلى 1- استغلال الأزمة لفرض المزيد من الحقن للعملاء و2- استخدامهم لإنجاز ضربة أخرى تضع البلاد في أزمة أخرى تحقق المزيد من المكاسب وفرصة جديدة للضغط وحقن المزيد من العملاء، وهكذا في دورة مستمرة يتم حفر قبر الحكومة والدولة إلى أن تسقط فريسة لا مقاومة فيها، وتطيع الأوامر في ضخ نفطها لإسرائيل وذيولها وتقديم أبناءها قرابيناً للمنظمات التي تحولهم إلى دواعش مجنونة تضرب بها إسرائيل الشعوب التي لم تخضع بعد في المنطقة، أو ربما تضرب بهم أميركا روسيا أو أي بلد آخر في عملية بناء امبراطوريتها وسيطرتها على العالم.

تسمي أميركا وعملائها أهدافهم بـ "حكومة الوحدة الوطنية" أو "حكومة الشراكة" أو "حكومة إنقاذ" وهدفها المعلن هو دحر داعش. ويمكننا أن نرى بوضوح زيف هذا الهدف، فمن هي الجهة التي تمثل داعش والتي ستنسحب داعش عندما تتواجد تلك الجهة في الحكومة؟ لا أحد سيعلن نفسه ممثلاً لداعش طبعاً، لكنه سيصر أن مشاركته في الحكومة ضروري لقهر داعش، وكذلك سيصر عليه الأمريكان "الحريصين على وحدة البلاد"! 

وإن لم يكن من بين هؤلاء من يمثل داعش، فما الضرورة لإشراكه في الحكومة لدحر أو سحب داعش؟ هل سقطت الموصل بالفعل لأن هؤلاء لم يكونوا في الحكومة ولم يكونوا في الجيش؟ كلا لقد سقطت لخيانة عدد من الضباط المعروفين ومن يريد أن لا يتكرر ذلك عليه أن يقوم بإعدام هؤلاء الضباط. هذا هو الحل المنطقي الذي تقوم به جميع الدول في مثل هذه الحالات، ورغم ذلك لا يتحدث به أحد! ويدور كل الحديث عن "حكومة الإنقاذ" التي "ستنقذ" البلد بطريقة سحرية لا نعرف كنهها، ولا احد غيرنا يعرف كما أظن! الحقيقة أن الحكومة السابقة كانت حكومة شراكة، لكنها لم تنقذ شيئاً، ولم تحم السنة من التهميش الذي يشكونه، وليس هناك أي سبب للإعتقاد أن المشاركة هذه المرة سوف تحميهم منه. فالحقيقة الواضحة أن من دفعت بهم أميركا كممثلين للسنة، لا يمثلون السنة في شيء. من الواضح أن المشكلة في مكان والسعي المحموم لحكومة الشراكة يبحث عن حل لقضية أخرى، ليست قضية تهميش السنة، بل قضية الهيمنة الأميركية الإسرائيلية الكردستانية على البلاد، ودفع الحكومة خطوة أخرى لتحفر بيدها القبر الذي ستدفن فيه هي والبلاد كلها، كما كان الأمر مع نيكاراغوا وهايتي وغيرها من البلدان التي تحطمت نهائياً تحت هراوات مثل تلك المؤامرات.  

 

أخبار هذه الأيام

 

لننظر إلى أخبار هذه الأيام لنرى كيف تتحقق هذه الدورة وفي أية مرحلة منها نعيش، فنقرأ دعوة النائب محمد الخالدي من كتلة "متحدون" لحل الأزمة السياسية بـ "تشكيل حكومة إنقاذ وطني الخروج من الأزمة". وأن "حكومة الإنقاذ ستكون مؤلفة من ثلاث شخصيات سياسية معروفة مقبولة وكل شخصية ستكون من مكون الشيعي والسني والكردي لحل الأزمة والوضع الأمني والسياسي وما حصل في البلاد". وأوضح الخالدي أن "حكومة إنقاذ وطني ستعمل على إجراء حوارات واتصالات بين القيادات السياسية لتوحيد كلمتهم وموقفهم لحل الأزمة الأمنية ما يحصل في بعض المحافظات وبعدها تشكيل حكومة شراكة وطنية بمشاركة الجميع". (1)

ومن الواضح أن ليس هناك أية علاقة بين هذا الحل وبين أزمة الموصل، فالموصل لم تسقط لنقص في "وحدة الكلمة"، بل بخيانة عسكرية، وأنه كلام من يطمح لإستغلال الوضع للوصول إلى السلطة، لحساب جهات تدير المشروع كله. 

وتحدث بيان صادر عن ائتلاف متحدون للاصلاح عن "تطلعات المواطنين في تحقيق الشراكة الحقيقية والتوازن"(2). والحقيقة أن المواطنين لا يتطلعون إلى شيء من هذا ولا يصدقون أن احداً يمثلهم أو يسعى لإنصافهم وسماع شكاواهم إلا لإستخدامها للصعود إلى السلطة. 

وكذلك حث البيت الأبيض "زعماء العراق على تنحية الأجندات الطائفية وتحقيق الوحدة الوطنية." (3)

ولكي نصدق، فعلينا أن ننسى أنه ذات "البيت" الذي قدم مشروع بايدن لتقسيم البلاد طائفيا..

وطالب ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه اياد علاوي (الذي يتعامل مع 14 جهاز استخبارات أجنبي وتسبب في معظم كوارث العراق الحالي) الكتل السياسية بالذهاب لـ “حكومة وحدة وطنية” (4)

وطالب أياد علاوي بارسال بعثة اممية للعراق للاشراف على انتخابات تجرى خلال عام ونصف بعد تشكيل حكومة إنتقالية لإنقاذ العراق، وأن نبدأ بتحقيق “مصالحة وطنية ناجزة” وإقامة “حكومة شراكة وطنية حقيقة” (5)

ورأى ائتلاف العربية بزعامة صالح المطلك ان "دعوة الامريكان للساسة العراقيين بالاتفاق في ما بينهم لتشكيل حكومة وحدة وطنية دليل على دعمها للحكومة المقبلة "(دون أي أثر لخجل!) (6)

وهدد النائب عن ائتلاف الوطنية العراقي صالح المطلك باللجوء إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني في حال رفض المالكي تقديم استقالته(7)

ودعا القيادي في الحراك الشعبي الشيخ منير العبيدي الى ابعاد المالكي عن الحكم ثم تشكيل “حكومة انقاذ وطنية” (8)

 

ضغوط أميركا المباشرة

 

غالباً ما تترك الولايات المتحدة مهمات الضغط الوسخة على ذيولها، لكنها تحتاج أحياناً إلى ممارستها بنفسها. فقال أوباما إن "الشروط التي نرسل على أساسها أي مستشارين تعتمد على رؤيتنا إنه مازال يوجد داخل الجيش وفي الهيكل السياسي التزام بحكومة عراقية وقوات مسلحة موحدتين وشاملتين ." (9)

ودعا بايدن المالكي إلى إشراك “ممثلي مختلف الطوائف العراقية” في الحكومة. (10)

ولا يتخلف حتى الضباط الأمريكان في حرصهم الشديد على العدالة الطائفية في العراق، فدعا كل من

رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال الاميركي مارتن دمبسي وقائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس ، إلحكومة العراقية بعبارات مماثلة عن "اطياف البلاد"..(11)

وكاللص الذي يصرخ بإدانته، افاد وزير الخارجية الاميركي جون كيري، ان الولايات المتحدة الاميركية لن تشارك في انتقاء من سيتقلد الحكم في العراق. (12)

من جهتها تريد المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، “حكومة في العراق تتبنى كل مكونات الشعب”. (13)

ودعا كل من وزير الخارجية البريطاني ونظيره المصري, الاطراف العراقية إلى "حكومة عراقية شاملة"و "حكومة وحدة وطنية تستطيع ان تواجه هذه التحديات"(14)

وذهبت داين فينستاين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى جهة غريبة فدعت القيادة الإيرانية إلى الضغط على المالكي لتوسيع قاعدة حكومته لتضم مزيدا من السنة والكورد! (15)

 

رغم كل ذلك لا يعني أن كل من طالب بحكومة إنقاذ أو وحدة وطنية، هو بالضرورة عضو في تلك المؤامرة، ففي الغالب هناك قلة موجهة مركزياً تنظم الجو الإعلامي والسياسي، وكثرة تتطوع بلا تفكير للتطبيل وترديد ما تقوله تلك القلة. ومن الصعب معرفة هؤلاء من أؤلئك إلا من خلال تاريخهم واستمرارية تطبيلهم للمشاريع الأمريكية وخاصة الإنفصالية ودعمهم لكل ذيولها في كردستان وبغداد، فمن تلك الأبواق تلك التي تطالب بـ "حكومة إنقاذ وطني قوية"(16) بينما تقوم أخرى بالترويج لربيب المخابرات الأمريكية وغيرها أياد علاوي وترتفع أخرى باللوم لعدم تمديد الإتقافية الأمنية مع أميركا وإبقاء قواتها رغم أنها لم تجد العراقيين شيئاً حينها، بل العكس، حيث هناك مئات المؤشرات على انها كانت تحمي الإرهاب وتدربه، كما كتبنا عن ذلك كثيراً، حتى أن المالكي لم يتجرأ على أخراج اتهاماته لطارق الهاشمي إلا بعد رحيل تلك القوات!  

 

ما هي الخطة بالضبط؟

 

في مقالة له بعنوان"تقسيم العراق، كل شيء من أجل إسرائيل"،(17) ينقل مايك ويتني عن "ليسندر" (خط التعليقات، - صفحة " HYPERLINK "http://www.moonofalabama.org/" قمر ألاباما")  أن فكرة أن داعش كانت نتيجة "أخطاء" امريكية، لم تعد مقبولة ، وأنه من الواضح أنها جزء أساسي من الستراتيجية الأمريكية لتحطيم حلف العراق – إيران – سوريا – حزب الله، وقد لا تنجح هذه الستراتيجية لكنها تبقى استراتيجية أمريكية مقصودة. 

ويرى ويتني أن أوباما يبتز نوري المالكي بحجبه الدعم العسكري واشتراطه عليه التنازل عن رئاسة الحكومة، أي أن واشنطن متورطة من الناحية العملية في عملية تغيير نظام جديدة، وأن الفرق الوحيد عن العمليات السابقة هي أن أوباما يستخدم جيشاً صغيراً من الإرهابيين "المجاهدين" الذين يقفون على بعد 80 كلم من بغداد ليضع المسدس عند رأس المالكي. ويتساءل الكاتب: "لماذا يكون أوباما شديد الحماس لضرب هؤلاء الإرهابيين في اليمن وباكستان وأفغانستان، ولا يماطل في ذلك في العراق؟

 

وينقل ويتني حديث أوباما: "المفتاح (للحل) لكل من سوريا والعراق سيكون من خلال التعامل مع العارضة السورية "المعتدلة" و العمل مع حكومة "شراكة" عراقية، وأن نضع قاعدة أكثر كفاءة لمحاربة الإرهاب لتشمل كل الدول في المنطقة". 

ويتساءل ويتني: "ماذا يعني هذا باللغة المفهومة؟" إنه يعني: "أما أن تكونوا ضمن الفريق الذي نكونه أو تكونوا خارجه" وفي حالة كونكم "خارج الفريق" فسوف تنظر الولايات المتحدة بعيداً وتترككم بمواجهة الإرهاب الذي تدعمه وتدربه وتقدم له المعونة اللوجستية، ليفجر رؤوس جنودكم ويحرق مدنكم حتى الأرض ويحول بلادكم إلى فوضى غير قابلة للحكم. اما إن كنتم ضمن الفريق فسوف تتمتعون بأفضلية "الشراكة" في الدعم الأمريكي  ضد تلك المجموعات الإرهابية – أما أن تلعبوا معنا وتطيعوا الأوامر، وعندها لن يتأذى أحد، وإلا فستواجهون النتائج وحدكم"! هكذا يهدد الرئيس، حكومة منتخبة! 

 

تساءلنا في بداية المقال: لماذا هذا الحماس الأمريكي الشديد لوضع الحثالات في السلطة وحقن الحكومة والأمن والجيش بالعملاء؟ وفسرناه بأن أميركا المدركة لكونها مكروهة من قبل الشعب العراقي وغيره، لا بد أن تبحث عن طريقة أخرى للسيطرة على البلاد، فمن غير الممكن أن ينتخب الشعب حكومة متعاطفة مع أميركا بذاته. وقلنا أننا سنقدم سبباً إضافياً قوياً لذلك في نهاية المقالة. لنكمل مقالة مايك ويتني:

يرى ويتني أن ذلك كله لن يكون في صالح الولايات المتحدة وقد ينقلب ضدها، وأن التفسير الوحيد لتصرف أوباما هو اتباعه لخطة إسرائيلية وضعت قبل ثلاث عقود، وكان مبدعها هو "أوديد ينون" الذي اعتبر العراق تهديداً خطيراً لطموحات الهيمنة الإسرائيلية، وكان الحل هو خطته المعنونة: "إستراتيجية عمل لإسرائيل في ثمانينات القرن العشرين" ، والتي جاء فيها: "العراق الغني بالنفط من جانب والممزق داخلياً من الجانب الآخر، سيكون هدف إسرائيل المضمون النجاح. إن تصفيته أكثر أهمية من سوريا ذاتها. العراق أقوى من سوريا. فعلى المدى القصير فإن قوة العراق هي الخطر الأكبر على إسرائيل. إن حرباً بين العراق وإيران سوف تمزق العراق أشلاءً وتعمل على انهياره في الداخل قبل أن يتمكن حتى من تنظيم الصراع ضدنا على جبهة واسعة. كل مواجهة عربية – عربية ستساعدنا في المدى القصير، وستخدمنا في هدفنا لتقسيم العراق إلى طوائف كما في لبنان وسوريا. من الممكن تقسيم العراق عند الخطوط القومية والدينية كما كان في زمن العثمانيين أمر ممكن. وستكون هناك ثلاثة وربما أكثر من الدويلات حول المدن الرئيسة الثلاثة، بغداد، الموصل والبصرة، وسينفصل الشيعة في الجنوب والسنة والكرد في الشمال. ومن الممكن أن تعمق المواجهة العراقية الإيرانية هذا الإستقطاب".

 

ويكرر ويتني أن لا مصلحة لأميركا في هذه الخطة الإسرائيلية. إسرائيل لا تريد عراقاً قادراً على الوقوف على رجليه، وأن لا يظهر كقوة إقليمية، وهناك طريقة واحدة لتحقيق ذلك: إتباع خطة ينون لـ "تمزيق العراق عند خطوط التماس القومية والدينية".. أميركا لن تستفيد شيئاً من ذلك. “كله من أجل إسرائيل!” هكذا يختتم مايك ويتني مقالته. 

 

ويمكننا أن نرى أن وجود الحثالات في أعلى السلطات الأمنية والعسكرية ضروري للغاية لتحقيق الخطة الإسرائيلية، فمثلما دربت أميركا وإسرائيل داعش والقاعدة وغيرها من المجموعات الإرهابية من اجل هذا اليوم، فقد حقنت الجيش العراقي بالعملاء من البعثيين السابقين الراغبين بسيد جديد، أو المتورطين بجرائم تجعلهم مكشوفين للإبتزاز بمساعدة وثائق النظام التي هربت إلى اميركا وكردستان، وأشرف عميل إسرائيل مثال الآلوسي على "تأهيل البعثيين" من خلال رئاسته لجنة لهذا الغرض. ومن ناحية أخرى تم حقن الجيش بعملاء مهمتهم فقط إثارة السنة في المناطق السنية ضد الشيعة والحكومة من خلال تشجيع إهانتهم وابتزازهم وتهيئتهم لقبول حكم عملاء إسرائيل المسمى "داعش". أما الضربة الرئيسية فيقوم بها من تم فرضهم على الحكومة من قادة الجيش البعثيين والبيشمركة لتضعهم في المناصب الحساسة اللازمة. 

 

أنظروا مثلا إلى تاريخ القواد الثلاثة في الجيش والمسؤولين المباشرين عن الخيانة التي أدت إلى ضياع الموصل والكثير من الضحايا، تجدون أنهم من نوع الضباط البعثيين الكبار الذين بذلت أميركا جهداً هائلاً للضغط على الحكومة لإعادتهم إلى مناصبهم، وعملت من خلال أياد علاوي على حقن الأمن بأمثالهم. ويمكننا أن نفهم أنه لولا ذلك الضغط ونتائجه في حقن الجيش بهؤلاء الضباط، إضافة إلى عدد كبير من ضباط البيشمركه، لما أمكن تنفيذ خطوات خطة "ينون" وتحقيق هذا الإنجاز العظيم لإسرائيل وكردستان، فلا يبقى عجب في قيمة الحثالات العالية بالنسبة لأميركا وإسرائيل ولا غرابة من تعاون كردستان وثقتها بنفسها في كل عدوان تقوم به! إننا لا نعرف حجم الإختراق الإسرائيلي الأمريكي لأجهزة الجيش والأمن ولا شك أنه هائل، فقد لعب المالكي الدور الإنتحاري بعدم التدخل وقبول كل ما تفرضه أميركا، إلا إن كان ذلك يهدد بإزاحته مباشرة. فالمرة الوحيدة  في تاريخ المالكي التي وقف فيها ببعض الصلابة بوجه الإرادة الأمريكية، كانت حين بلغ التدخل بالسفير الامريكي في الإنتخابات قبل الأخيرة مبلغاً كبيراً لصالح خصم المالكي (علاوي)، فهددت الحكومة (بشكل غير رسمي) بطرده! يمكن للأمريكان أن يعيثوا بالبلد فساداً كما يشاؤون، بشرط أن يتركوه يحكم. لقد تراجع وتراجع أمام ابتزازاتهم وابتزازات ذيولهم في كردستان بهذا الأمل، دون أن يدرك أنه كان في كل خطوة يحفر قبره بيده، وأن تكشيرات صديقه الصهيوني بايدن، كانت تخفي وراءها الكثير. 

 

ورغم كل ما ذكرته ورغم إني لست من مؤيدي الولاية الثالثة أبداً، لكني أقف بشدة ضد أن تسلم السلطة للتآمر الأمريكي وذيوله في كل الأحوال. فما يخطط للبلاد أكثر فضاعة مما حدث فيها حتى الآن!

 

رفض التدخل الأمريكي.. صحوة أم ضوضاء أخرى؟

 

السؤال المهم الآن، ما هو رد فعل الحكومة على اكتشافها للحقيقة وأنها كانت تحفر قبرها بيدها؟ ردود الفعل الأولى تبدو إيجابية حيث يبدو أن هناك "صحوة" وإن متأخرة جداً، وأن الرفض قوي وواضح وصريح. لكنه قد يتحول في أية لحظة إلى ضوضاء لامتصاص التوتر كالعادة. إن مظاهر دفاع الحكومة عن حقها في السلطة نقطة إيجابية. 

 

قال المالكي في كلمته الاسبوعية: ان “دعوات بعض الاطراف لتشكيل حكومة انقاذ وطني كما يسمونها تمثل انقلابا على الدستور والعملية السياسية، ... فهي بكل بساطة محاولة للمتمردين على الدستور للقضاء على التجربة الديمقراطية ومصادرة آراء الناخبين والالتفاف على الاستحقاقات الدستورية”.(18)

 

وقال النائب امين هادي ان “دولة القانون ترفض تدخل الولايات المتحدة الامريكية او دولة اخرى في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة”، مبينا ان “العراق لديه سلطة تشريعية والكتلة الاكبر في مجلس النواب هي من تقدم مرشح رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة”. وأضاف هادي ان “الادارة او الكونغرس الامريكي ليس من حقه التدخل في شؤون العراق وفرض رأيه على العراقيين في اختيار رئيس الوزراء”، وأن “العراقيين يرفضون هذا المنهج ولن يكونوا عبيدا بيد امريكا او دولة اخرى”. (19)

 

وقال عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون محمد سعدون الصيهود : ان حكومة الانقاذ الوطني التي دعا اليها السياسيون الدواعش هي صفحة من صفحات المؤامرة الاقليمية الخبيثة لاعادة العراق الى ما قبل عام 2003 .(20)

 

عضو ائتلاف دولة القانون النائب إحسان العوادي، عبر عن غضب الحكومة العراقية وقال أن “الموقف الأمريكي غير الواضح من الأزمة الأمنية دليل على تنفيذ مشروع جو بايدن السيء الصيت”، لافتا الى ان “هذا المشروع تمت المصادقة عليه في الكونغرس الأمريكي عام 2007 ، وهي الان بصدد تطبيقه”.

وفي هذه الأثناء يلعب جون كيري في حركاته الدبلوماسية دور المهدئ لكي تكتمل المؤامرة بلا ضجيج.

وقال العوادي إن “الحكومة العراقية بصدد إعادة النظر بالاتفاقية الإستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة فيما اذ بقية الموقف الأمريكي غير واضح اتجاه ما يحصل من تدهور امني الذي يشهده البلاد”، لافتا الى أن “الموقف الأمريكي غير الواضح له تداعيات على الجانب العراقي”.

وأضاف أن “الموقف الأمريكي منقسم، فموقف الخارجية مختلف تماما عن موقف الرئيس أوباما مما يجعل المقف قد يتغير بأي لحظة”. (21)

إنه يبدو التعبير الأكثر غضباً، لكنه يحتوي بعض الأوهام أيضاً، فالموقف الأميركي واضح تماماً، ولا يمكن أن تختلف الخارجية عن موقف الرئيس وهو ذات الموقف الإسرائيلي، ولكن هذا الكلام الدبلوماسي لا طعم له، خاصة وهو يتحدث عن “إكمال المؤامرة” من خلال دور جون كيري “المهدئ”. 

 

وقال النائب والقيادي بالائتلاف شاكر الدراجييتحمل الجانب الأمريكي الوزر الاكبر لما يحصل الآن، لاستمرار دعمه للمعارضة السورية بالأسلحة والمسلحين واستخدامها في العراق فان موقف واشنطن كان غير جدي مع العراق”.

وأضاف الدراجي أنالموقف الأمريكي خجول جدا، وموقف غير شجاع، ولم تتحمل واشنطن مسؤوليتها إزاء الارتباط بين بغداد وواشنطن المتمثلة باتفاقية الإطار الاستراتيجي، مبينا أنالأمريكان تنصلوا عن مسؤوليتهم والتزاماتهم سواء بالتسليح أو بدعم القوات المسلحة أو ضرب الإرهابيين”.

وأوضح النائب عن دولة القانون أنهذا اعتداء خارجي، وضمن الاتفاقية أن العراق إذا تعرض لاعتداء خارجي، فالأمريكيون ملزمون بالدفاع عن العراق”.

وبحسب الدراجي فإنهذا التردد والتباطؤ مقصود من أجل أن تأخذ داعش حيزها المخطط له، وشراكة متفقة مع عدد من الأطراف”. واعتبر الدراجي أنحجج رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، حجج واهية وباردة وغير مقبولة بشأن توجيه ضربات لتنظيمات إرهابية”. (22)

 

ماذا تريدون أكثر من هذا الذي تعرفونه إذن لتحددوا موقفكم من أميركا؟ .. خلال بضعة ايام حصلتم من الروس على طائرات واسلحة لم تحصلوا على مثلها من هذا "الصديق" رغم كل المعاهدات المحرجة والمليارت التي دفعت للأسلحة والمليارات الأخرى التي صرفت ليدربوا الجيش (على الخيانة؟). أليس من حقنا بعد ذلك أن نتعجب من الأخبار التي تؤكد وصول خبراء أميركان "لمحاربة داعش"؟ كيف تثقون بهم مرة أخرى؟ كم فرصة تعطى للضحايا لكي تفهم من هو صديقها ومن هو مفترسها، قبل ان يقرأ عليها السلام؟ 

 

يكتب علاء اللامي في مقالة له بعنوان "هل يجرؤ المالكي؟ .. نصف الانتصار على داعش في طرد الخبراء الأميركان!"(23): "على المهيمنين على الحكم أن يعلموا  أن نصف الانتصار على داعش وحلفائها يكمن في معاقبة إدارة أوباما على تسويفها ومماطلتها في الوفاء بوعودها التسليحية وطرد خبرائها الأمنيين  وإلغاء اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" فورا ودون إبطاء! فهل يجرؤ المالكي ومن معه على فعل ذلك؟ ... لقد تجرأ جمال عبد الناصر على معاقبة أميركا والغرب في الستينات لأنهم خذلوه ورفضوا تمويل السد العالي فقلب الوضع الجيوسياسي العالمي كله آنذاك رأسا على عقب وتوجه نحو الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقي فكسب الكثير لبلاده وشعبه وجعل الغربيين يعضون أصابع الندم. فهل سيجرأ المالكي على تكرار هذه المأثرة الناصرية لإنقاذ العراق من التقسيم والمذابح الفظيعة ما بعد التقسيم؟" علاء اللامي ليس متفائلاً كثيراً، ولا أنا. وإذن فعلينا ان ننتظر كالمحكوم بالإعدام، تحطيم العراق والتقسيم و "المذابح الفضيعة ما بعد التقسيم" – أم أن هناك بقية كرامة وإنسانية وأمل في بعض الذين مازالوا في الحكم؟