غوانتانامو إبليس.. بقلم/ د. ماجدة غضبان |
أود الخروج من هذا المكان.. لعلي حين أركض في الوادي أجد مخرجا ما من ضيق صدر الجبل بي.. الكهوف المظلمة تختبيء خلف فوضى الأشجار.. ، و الشمس تجلس على رأس الجبل في غير تعال منها.. ، و لغط القرية ينطح السماء دون منائر.. ، دون رغبة من الرب في صلاة قومه.. ليس جديدا عليّ تبرمهم من توغلي في الغابة.. ، و لا موافقتهم لفتوى جوان مخترع العابنا الذي لا يضاهيه أحد في ذلك: _هذا لا يقع ضمن إتفاقنا على قوانين ألعاب ألفناها كل يوم.. ، كما اننا نعرف جيدا ان السعلاة و الوحوش تتربص بنا هناك.. حكاياتي عن السهل الممتد في أراض لا تستوطنها الأشجار أضيفت الى أطنان الكذب التي رصدوها تطن في رأسي طنين الذباب، و أصبح لديهم يقين بجنوني عندما أعلنت سورة البحر و الصدف، و امتداده حتى خط غريب يرافق الشمس أينما ذهبت، لا ترى بعده العين شيئا.. أما سورة النهر و عذوبة مائه، و إتصاله بنبع قريتنا، فقد كانت محض نكتة، تندروا بها علي طويلا، و صرت _وفقا لغرابتها_ خاسرا بينهم في كل لعبة، و إن فزت فيها حقا، أو تفوقت على جوان أيضا.. إشتكى بعضهم لأبي بسبب إفسادي لسباقاتهم و ألعابهم بسوري العابثة بيقينهم الخالص.. _لا تقصي كل كابوس حلمت به على رفاقك في اللعب.. هكذا نصحني أبي موبخا إياي.. لم يجد نفعا قسمي له انني قد سبحت حقا في البحر، و في النهر مرارا، لم يفهم أصلا معنى كلمة سبحت، و لم يعرف معنى كلمتي نهر و بحر، فجميع ما قلته من غريب الألفاظ، تمخضت عنها لغتي الأنثوية اللقيطة.. بلا شك أسَرَتني الوحدة.. ، و أضحيت أرتقي الجبل كل يوم قاصدة كهف إمرأة عجوز، أتهمت قبل أن أخلق أنا بالجنون.. عظمت فرحتي.. حين صدقتني تلك المجنونة، و وافقتني مؤمنة بوجود كل ما أنكره الآخرون علي.. ، غير انني سرعان ما شرعت ببكاء مرير، و أنا أصغي لنصائحها الهادئة.. في الليل، و أنا أرتجف تحت دثاري مغتالة بحمى الاغتراب، تذكرت ما قالت، و عيناي تطاردان النجوم في تظاهرتها التي لا تنتهي الا عند قمة الجبل.. ترفّل صوتها أمام الصمت كما لو ان وحي جبريل قد تداخل معه.. _لعلك عند مفترق سبيلين لا ثالث لهما، إن شئت استمري في ثرثرتك حول ما لا يرونه حتى تصادفي يوما ما طفلا جريئا يتناوشك بالحجارة، لينضم بعدها أقرانه اليه.. يتبع ذلك إستحسان الكبار لما يردده الصغار، لتمر الأعوام، و تشيخي في كهف مشابه لكهفي.. و سيان إن هربت بجلدك عند أهل النهر و البحر، فهناك أيضا لن يصدقوا حكاياتك عن الجبل و الوادي، و الناس التي لم تر نهرا أو بحرا أبدا، و لن يطول الوقت حتى يتجمع حولك الصغار بحجارتهم، و الكبار بتندرهم.. استطالت الكلمات كعتمة ليل لا ينتهي، و شق علي أن أحتمل صدى صوتها بين رؤوس الجبال، و قعر الوديان لولا تمرد فكرة في رأسي المضطرب.. ، قمت بتنفيذها على الفور.. على ورق المدرسة الرخيص دونت ما علق بذهني مما رأيت، كما تدون قصص الخيال و الروايات.. _أتندهشين مما أفعل يا جدة؟ أظن ان لكل شيء هيئته الاسطورية بين منحنى الادعاء المضطرب، و استقامة الصدق العجول، و بلاهة الايمان... ربما سأحشر كتاباتي يا جدة في قوارير زجاجية مغلقة لتسير مع مجرى النهر و البحر.. وصولا الى منتهى إلتقاء السماء بالأرض.. لعل مجنون آخر يعثر عليها، فتغتنمه سعادة وجود من يشاركه جنونه ، و قد تكتنفه شجاعة الرسل بما يكفي لوضع قصته بقارورة تبلغني مع ريح الشتاء الثلجية.. ربما يا جدتي المنفية في كهف، سنتفق بعدها أنا و المجنون المفترض على موعد لقاء.. و قد تتكاثر القوارير كتكاثر الأنبياء في العصور الغابرة.. و تصبح أكثر من السمك، و ما تحمله الريح من بذور لقاح ، فلا يحصي صياد سمكة الا مع قارورة أو ثلاث.. و لا تهب عاصفة الا و معها قوارير المجانين.. قد نغدو شعبا من صناع القوارير، نقيم في كل مكان مهرجانات تتناثر كأوراق خريف، و تتناغم مع الفصول.. قد نتجمع في جزيرة غوانتانامو دون حراسة مشددة، و برغبتنا المحض.. و قد يعدو هذا محض هلوسة مني يا جدة.. ، أو نضوج مبكر لجنوني ، قبل أن يكتشفه رفاقي الصغار، و كبار القرية.. ، قبل موعد رجمي بحجارة كإبليس في كعبة الحجيج.. __________________________ ملاحظة لجدتي قبل إقتراف المعصية: أنا في طريقي الآن الى البحر كي أرمي فيه أول قارورة جنون........... |