العراق تايمز: كتب الشيخ عبد الهادي الزيدي..
{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }يونس35
من وظائف القيادة الدينية رعاية شؤون الامة والاهتمام بما يلم بها من احداث، و تعني هذه الوظيفة عند اهل الفن (الحركية)، وليس كل من اطلقت عليه صفة القيادة بالضرورة انه يؤمن بتطبيقها، يرى بعضهم انها ليست من وظائف القيادة الدينية، انما تقتصر وظيفتهم على اصدار الحكم الشرعي. وبطبيعة الحال فان رأي القيادة الدينية تجاه هذه الوظيفة يلقي بظلاله على الاتباع، وعليه تتبلور حركتهم او عدمها بإتجاه المجتمع وقضاياه، وفي احيان اخرى طبيعة القيادة هي الجاذبة لبعض الاتباع ـــ هذه الوظيفة دون غيرها ـــ فكثير منهم يبحثون عمن ينسجم مع رغباتهم وتوجهاتهم المسبقة التي يحملونها ويؤمنون بها، على طريقة ، شبيه الشيء منجذب اليه. لا على الاسس الصحيحة للاتباع، وقد رأينا وشهدنا مواقف من واقعنا ما يشهد بصحة هذا الكلام.
ولا يعنى بمتابعة ورعاية شؤون الامة غض النظر عما يلزمها، ولازمها اتخاذ القرارات والمواقف التي من شأنها اصلاح الحال، او حفظ المؤمنين، او دفع الاخطار المحدقة بالاسلام بالشكل العام. والا فلا ثمرة تترتب على المتابعة دون اتخاذ الاجراء اللازم، مع تحقق فرص التأثير وعدم وجود المانع، خصوصا اذا ما علمنا اننا نتحدث عن اشرف عنوان وهو (المرجعية الدينية).
ولا بد من تحقق شرائط معينة في المرجع لكي تكون قراراته واجراءاته سديدة ناجعة تعالج الامراض التي تصيب الامة، على رأس هذه الشرائط : ان يكون عارفا بزمانه : فعن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) قال: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس). الكافي الكليني ج1 ص 26.
ان الإمام الصادق (ع) اطلق مفهوم اللوابس، وهذا يعني كل ما يتعلق بالحوادث الواقعة على كل المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. و من المهم نقل كلام الشيخ المنتظري (رحمه الله) وهو عالم مشهود بإخلاصه ووعييه وحركيته في هذا الباب ليتضح المطلب، اذ انه يعطي فهما للدفاع عن الاسلام:
(ويظهر من الخبر ان وجوب الدفاع عن حوزة الاسلام والمسلمين عند هجوم الكفار امر واضح لا مريةفيه،إذ في تركه دروس الإسلام وذكر من جاء به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وإذا وجب شئ وجبتمقدماته بالضرورة . ومقدمة الدفاع في هذه الأعصار التسلح بسلاح اليوم،والتدرب عليه والتكتل والتشكلمهما أمكن . ثم نقول : هل يجب الجهاد والدفاع ودفع الكفار،ثم تفويض أمر الحكومة إلى أهل الفسقوالترف،لتدربهم في المسائل السياسية وعدم تدرب العلماء وأهل العدل فيها،كما اتفق في العراق مثلا بعدإخراج البريطانيين منه بجهاد العلماء الأعلام؟ ! أو يجب حفظ النظام ولو بصرف الوقت في تعلم المسائلالسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وتحصيل الاطلاع الكافي على ما يجري في العالم منالحوادث والعلاقات حتى لا تهجم اللوابس والمشاكل؟وفي الكافي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : " والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس . "وكيف يهتم العلماء الأعلام بالأمور الجزئية ويعدونها من الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بتركها ،كحفظ مال الصغير أو الغائب مثلا ،ولا يهتمون بكيان الإسلامومقدرات المسلمين وشؤونهم وحفظ نظامهم وقدرتهم وطاقاتهم، ويعدون التصدي لها مخالفا للاحتياط؟ ! فيحولونها ويفوضون أمرها إلى من لا علم له بالإسلام ،ولا التزام له به ، ولا تقوى لديه . نعم ،الظاهر عدمكون ذلك عن تقصير منهم في بادئ الأمر، إذ ان كونهم مسجونين في زوايا المدارس وسراديبها ،ومبعدينعن محيط السياسة في قرون متمادية أوجب يأسهم من عودة الحكم إليهم ،وأوجب عدم توجههم إلى مقدماتهاولوازمها ،وبمرور الزمان غفلوا واستغفلتهم دسائس الاستعمار أيضا) . دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية الشيخ المنتظري ج1 ص 242
فمما لا بد منه للعالم ان يدرك ما يدور حوله لكي يصدر القرارات والاوامر التي تحفظ كيان الامة وتردع المتربصين به. والا فأن من يتصدى لامر وثمّ من هو اعلم منه وادرى به منه ، فان النتيجة ستكون سيئة لا تحمد عقباها، وسيقود الامة الى طريق لا يعرف الخلاص منه.
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم منه إلا لم يزلأمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا . " يعني الولاية . فهي غير الإمارة على الأمة؟ ! " دراسات في ولاية الفقيه الشيخ المنتظري ج1 ص 304
وعن تفسير النعماني بسنده ،عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بيان صفات الإمام : " وأما اللواتي فيصفات ذاته فإنه يجب أن يكون أزهد الناس ،وأعلم الناس ،وأشجع الناس ،وأكرم الناس وما يتبع ذلك لعللتقتضيه . . . وأما إذا لم يكن عالم بجميع ما فرضه الله - تعالى – في كتابه وغيره ،قلب الفرائض فأحل ماحرم الله، فضل وأضل . . . والثاني : أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب أحكامه وأمرهونهيه وجميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم . "بحار الانوار ج90 ص 44
وعن الشيخ الطوسي بسنده ،عن علي بن الحسين ( عليهم االسلام ) ،عن الحسن بن علي ( عليهم االسلام ) في خطبته بمحضر معاوية ،قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما ولت أمة أمرهارجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا . "الاماليالشيخ الطوسي ص 566
واذا لم يكن الاجراء صحيحا والرأي سديدا فان مصير الامة الغرق كما تغرق السفينة على حد تعبير مولانا الإمام علي(عليه السلام) : (زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتُغرق) . بحار الانوار ج 2 ص 58
تصدر في بعض الاحيان من القيادات الدينية التي لا تؤمن بالعمل الحركي احكاما وتوجيهات تحت ضغط ما، اجتماعي او سياسي او عسكري او غيرها، عادة تكون هذه التوجيهات غير ناضجة و لم تخضع لدراسة واعية ، انما هي انفعالات وانسياق وراء العنصر الضاغط ليس الا، وما ان تظهر عيوبها سرعان ما نجد توجيهات مغايرة تصدر استدراكا لسابقاتها، الا ان مضارها وعواقبها صعبة الازالة. فعلى الامة ان تعي دورها ازاء المواجهات والمنعطفات التي تمر بها، وان تبحث عمن يهبها الحل الناجع بأقل الخسائر، ولا تولي عليها من ليس اهلا للقيادة، لان السنن الإلهية تحكم على اساس اختيار الامة، فان لم تختر الاصلح والاقدر على قيادتها فان العواقب ستكون وخيمة، قال تعالى :{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30
وقال تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115
|