التظاهرات التي انطلقت قبل أكثر من 45 يوما في الانبار وامتدت الى نينوى وصلاح الدين ثم اتسعت الى كركوك وديالى وبغداد، هي احتجاجات شرعية ومشروعة ومن تواصلها واتساعها أخذت طابعا جماهيريا، والسبب الرئيس لانطلاقتها هو المظالم التي ارتكبت وتراكمت، والدافع الاساس لاستمرارها هو معاناة الناس، من بطالة وضنك معيشة فضلا عن الشعور الحقيقي بالتهميش والاقصاء والانتقائية في تطبيق القوانين، وكلامنا هذا ليس جردا نظريا بل واقع تقرّه المصادر الرسمية. وهذه التظاهرات رغم انطلاقتها العفوية لكنها فاجأت الجميع بحجمها وسعتها، واصبحت ـ الان ـ اكثر تنظيما، وبنفس عراقي واضح، وهي تتجذر كلما كان هنالك تسويف ومماطلة ولجان، وهذه التظاهرات حتى لو كانت نارا فان النار لا تطفيها النار، فلا يمكن للتظاهرات المضادة أن تمنع الحق في تلبية مطالب الناس وتأمين احتياجاتهم، ولايمكن أن تكون مطالب هذه الاحتجاجات من نسج الخيال أو ملفقة حتى وان اشترك فيها عامل خارجي لان التماهل بالاستجابة للجماهير يفسح المجال للعامل الخارجي أن يشترك وأن يتمادى، وايضا لايجوز أن ننعت هذه التظاهرات بانها من فعل البعث أو القاعدة حتى وان تغلغل اليها بعثي أو حام حولها قاعدي بل الحكمة وعين الحكمة أن نمنع الارهابيين والمخربين من الاستفادة منها أو التسلط عليها لاسيما وانها لفظت القوى التقليدية وأعطت الفرصة الذهبية لشباب جدد صنعهم الميدان. ان المتظاهرين ليسوا بعثيين فهم متضررون بسبب البعث، وليسوا قاعدة لانهم متضررون من القاعدة، وليسوا حكوميين بل متضررون من الحكومة، ثم لو تعاونت كل احزاب اليمين والوسط واليسار لما استطاعت ان تحشد تظاهرة واحدة مثل تظاهرات الغربية وبهذا الحجم المديد ولكن الظلم ودوامه لايترك مظلوما الا واخرجه شاهرا نقمته على الناس، ولايجدر بالحكومة ان تطلق فرية البعث دون النعوت الكثيرة على الاحتجاج مادام هو دستوري وقانوني وسلمي، لانها سبق ان ارتكبت الخطيئة نفسها مع الألق العراقي في شباط 2011، فالاسماء والنعوت هي دلالات وتأريخ وليست عبارات تطلق على مزاج زيد أو عمر أو عطية. فقد ركب الملا عبود الكرخي في أحد الايام زورقا لينتقل من المسيب إلى الكوفة، فوجد الكرخي نفسه أمام شخص في المنطقة معروف بـ "عطية المسودن"، وعندما تحرك البلم التمس عطية من الكرخي ان يمنحه سيكارة، قائلا: "ارجوك تتفضل عليَّ بلفة تتن ملا علوان؟"، فأجابه الملا عبود مصححا: اخي آني ملا عبود مو ملا علوان. ثم وصلوا منطقة بوفشيكه، فسأل عطية المسودن الملا: "شنهو اسم هاي المنطقة يا ملا عليوي؟" فأجابه الملا عبود: أخويه آني ملا عبود مو ملا عليوي،، واثر ذلك حان وقت الغداء فقال عطية المسودن: "ملا عودة تفضل على الغده". فنظر إليه الكرخي متأثرا وقال: لخاطر ربّ السموات آني ملا عبود ومشكور غداك. وبعد الغداء قدم اليه عطية المسودن، استكان شاي قائلاً له: "ملا عبدي، الشاي مخدر على مزاجك"، فصمت الملا عبود على مضض لكنه كان يفور في داخله، وعندما أوشك البلم أن يصل الضفة الاخرى للنهر سأل عطية المسودن الشاعر الكرخي: "شنو كلت لي اسمك يا ملا؟"، فرد الشاعر الملا عبود الكرخي قائلاً: اسمي ملا زبالة الكرخي، فرد المسودن: "هسه افتهمت"، وعند الوداع قال المسودن للملا عبود: "مع السلامة ملا زبالة"، فما كان من الكرخي الا ان عاط به قائلا: (لك يا ابن الذين، شو تنسه كل الاسماء وتتذكر بس زبالة).
|