تكتل الفاشلين .. ومرض الطفولة السياسي !!

ليست السياسة مجرد (علم) يدرس فقط ، وإنما هي بالإضافة إلى ذلك (فن) يمارس ، لا بل إن ممارستها (كفن) أهم من دراستها (كعلم) . بدليل انه ليس من الضروري إن كل من يحوز على مؤهل أكاديمي في علم السياسة ، يصلح أن يكون رجل دولة أو حتى زعيم حزب . ولهذا فان معظم الذين يمارسون العمل السياسي اعتمادا"على تحصيلهم العلمي دون كفاءة فنية هم سياسيين فاشلين . أكتب هذا وفي ذهني أعضاء تكتل القائمة الوطنية بزعامة السيد (أياد علاوي) ، ممن أعلنوا مقاطعتهم حضور جلسة البرلمان الأولى التي خصصت لانتخاب رئيس البرلمان وتسمية نائبيه ، على خلفية المشاكل المزمنة والخلافات المتوطنة التي كانوا طرفا"فيها ، منذ سقوط دولة الجمهورية العراقية الثانية وتشكيل حكومات المحاصصة الطائفية ولحد هذه اللحظة . والواقع إن هذه الواقعة / الردة ليست الأولى في قاموس العمل السياسي لزعماء (المكون السني) وممثليهم من الطارئين على السياسة ، إذ سبق وأن طالب بعض رموزهم من رجال الدين الذين خلعوا العمامة وامتهنوا السياسة بعدم الاشتراك في الانتخابات الأولى التي جرت تحت إشراف الأمريكيين ، بحجة إن الحكومة التي ستنبثق على أساسها غير نزيهة ولا تتمتع بالشرعية الوطنية . ولكن بعد أن توضحت معالم الصورة وتكشفت أبعادها المأساوية ، أدركوا - بعد فوات الأوان طبعا"- فداحة قرارهم المنفعل والمتعجل الذي فرضوه على ناخبيهم دون تحسّب لنتائجه أو تبصّر لعواقبه . ومما يثير الدهشة والاستغراب هو إن جلّ أعضاء هذا التكتل ، واضبوا – باستثناء الحالات التي تتطلب المساومة وتستلزم الضغط - على حضور جلسات البرلمان وعقد الصفقات من تحت قبته ، كما استمر بعضهم متشبثين بمناصبهم الحكومية التي حام حولها الكثير من شبهات الفساد وسرقات المال العام ، في الوقت الذي لم تبطل ألسنتهم من فضح انحرافات الحكومة المالكية وتعرية مواقفها الطائفية ، دون أن يشعروا بالحرج من تلك الازدواجية في المواقف والممارسات ، ويتنبهوا لذلك التناقض بين الأقوال والأفعال ، لاسيما وان البعض من تلك الانتقادات كانت تنطبق على الغالبية منهم كما لغيرهم . واليوم وفي ظل وقوف العراق على حافة الهاوية حيث طبول الحرب الأهلية تقرع على الأبواب من جهة ، وتعرض العديد من المحافظات لخطر الموجات الأصولية المسلحة التي تروم إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جهة أخرى . تتبنى زعامة هذا التكتل (الفاشل) مواقف رافضة للانخراط بالعملية السياسية الحالية ، وتسعى للنأي بنفسها عن مظاهر الفوضى ومشاهد الخراب ، ما لم يتم الإقرار مسبقا"بتلبية مطالب المحافظات المنتفضة – وكأنها بذلك تعطي الإشارة إلى كونها تدعم مواقف وتؤيد مطالب الجماعات المسلحة التي تجوب شوارع المدن عابثة بكل حرية – حيث كان الأجدر بها أن تعلن تبنيها لمثل هكذا مواقف قبل أن تدخل حلبة المنافسات الانتخابية ، ومن ثم إشعار ناخبيها اعتزامها اتخاذ ذلك القرار المرتجل ، لا أن تستثمر أصواتهم وتستغل معاناتهم وتوظف حراكهم (لغاية في نفس يعقوب) ، أي بعد إعلان الفوز في الانتخابات البرلمانية وضمان الامتيازات التي تدرها عضوية المجلس حقا"أو باطلا"! . لعلكم نسيتم أيها السادة إن السياسة هي (فن الممكن) ، وان من لم يحسن التصرف وفق هذه القاعدة الذهبية ، فعليه أن يترك أعنتها لغيره ويغادر حلبتها لسواه ، ممن يجيد التحدث بلغتها المرنة ويمارسها على أصولها المطواعة . إن عيبكم أيها السادة – كما هو عيب جميع السياسيين العراقيين – تجنب الجلوس على مدرجات المعارضة دون استيزار ، وتحاشي الإحساس بطعم الهزيمة حتى وان كانت على الورق . ألا كان من الحكمة السياسية وسداد المنطق ، تأكيد حضوركم وفرض وجودكم بكامل طاقم الأعضاء والحلفاء ، لتشعروا الآخرين ؛ أولا"بالتزامكم الوطني والأخلاقي لحضور الجلسة بموعدها المقرر ، وثانيا"لإشهار وحدة مواقفكم وإظهار توافق اعتراضاتكم أما الرأي العام المحلي والدولي ، وثالثا"لتعزيز ثقة الناخبين بكم (كرموز) وجدية اعتمادهم عليكم (كممثلين) ، ورابعا"توليد الانطباع لدى جمهور الأطراف الأخرى بمصداقية حرصكم على المواطن وواقعية مخاوفكم على الوطن . نقول ألا كان الأجدر بكم سلوك هذا السبيل العقلاني ، بدلا"من إصراركم العنيد الذي لا تحسدون عليه للتمسك بأمراض الطفولة السياسية ، التي ألحقت بنا – ولا تزال - العار الوطني والدمار الحضاري ؟! . والطامة الكبرى إن ضرر هذه المواقف المترجرجة والمتذبذبة لا يقع فقط على كاهل أعضاء هذا التكتل المتنافر الرؤى والمتناقض التصورات – لاسيما وان الغالبية منهم تمارس وصايته السياسية عن بعد حيث الأمن من العواقب والسلامة من المساءلة – بل إن وطأتها كانت وستكون أشد على مصالح ومصائر الناخبين من المكون (السني) ، حتى بالنسبة للذين طلقوا السياسة ولعنوا السياسيين عبر مقاطعتهم العملية الانتخابية برمتها . ذلك لأن السلطة الحالية ومن يدعمها ويقف ورائها من المليشيات ،

سوف تتعامل مع أبناء هذا المكون المغلوب على أمره ، ليس فقط بناء على ما يحمله من هوية طائفية مغايرة ، بل ومن خلال مرشحيه في الانتخابات وعبر ممثليه في البرلمان ، دون أن تضع باعتبارها إن الكثير منهم – إن لم يكونوا الغالبية العظمى - لا ناقة لهم في سياسة هذا البلد ولا جمل ، اللهم سوى كونهم يريدون العيش بسلام وأمان ، ولتذهب السياسة وأربابها من الطفيليين والفاشلين إلى الجحيم ! .