ها نحن قد وصلنا إلى ما خُطط له منذ سنين ، تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، دويلات أو فيدراليات أو أقاليم أو أي شيء، المهم تقسيم العراق وتفكيكه إلى شعوباً وقبائل متناحرة متصارعة يكره بعضها بعضاً ويحقد بعضها على البعض الآخر كما يحصل الآن.
الشيعي يتمنى لو أن الأكراد رماد منثور في الهواء بسبب ( خيانة ) مسعود البرزاني حسب تعبيرهم، والسني ينتظر الساعة التي ينتقم بها من الشيعي ويثأر لما أصابه ولحق به من تهجير وتقتيل واعتقال جراء الحكم الشيعي الظالم ( حسب رأيه ) ، والكردي أكمل استعداداته منذ سنوات ليعلن انفصاله عن الشيعة وعن السنة على السواء لأنه يرى ان الحياة معهم صعبة جداً ؛ بل مستحيلة في أجواء تخيم عليها الطائفية والمذهبية والحزبية ، ويرى ان قياداته أفضل وأكثر تطوراً من بقية القيادات العراقية التي لم تجلب لمحافظات الوسط والجنوب وكذلك الغربية إلا الدمار والخراب والقتل والتهجير وانعدام الخدمات ، في حين ينظر إلى الإقليم وكيف أصبح أنموذجاً للتطور والعمران والبناء وكذلك التعايش السلمي بين جميع أطياف الشعب العراقي. فتجد السني والشيعي منسجم مع الكردي (صاحب الدار) ولا فرق ولا تناحر ولا ضغائن .. فلماذا لا يطالب بالانفصال عن قيادات فاشلة وتأسيس دولة متطورة تحت قيادة منهم ؟
ينظر المواطن السني والمواطن الشيعي ومعهما الأقليات المتواجدة في المحافظات الساخنة غرباً ووسطاً وجنوباً بعين الغبطة إن لم أقل عين الحسد للإقليم الكوردي الآمن ، المتطور ، الهادئ، المرفه. ويسأل نفسه يومياً : لماذا لا نكون مثلهم؟ أليس النفط حصة العراق كله؟ أليست الشيعة أكثرية وتستحق الحياة الكريمة بعد العذاب الذي ذاقته طيلة حكم البعث ؟ والسني يقول لأخيه السني: لماذا نحن دائماً محافظات ساخنة؟ لماذا لا نكون هادئة ومنتجة ومرفهة وآمنة كما بقية المحافظات العراقية وخصوصاً الكوردية ؟ ألسنا نعيش في العراق ؟ هل حصتنا منه القتل والتهجير والعصابات الإجرامية التي تأتينا من خارج الحدود لتقيم دول إسلامية وأمارات وخلافة جديدة؟
هذه الأسئلة والحيرة والهموم والعذابات يعيشها الشعب العراقي منذ سنوات ولنقل منذ سقوط النظام المباد عام 2003 على يد القوات الأمريكية التي خططت ورسمت السيناريو قبل مجيئها بسنوات وهو تفكيك أقوى دولة في المنطقة وإضعاف خامس جيش بالعالم والوصول بهذه الدولة ذات الحضارة والتاريخ والأمجاد إلى مرحلة الانكسار والخمول لدرجة استجداء الماء والتمر والخبز وحتى النفط من خارج العراق.
اعتقد جازماً ان إيجاد قيادات فاشلة وغير كفوءة طيلة سنوات بعد التغيير لتدير مفاصل البلد المهمة من رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان والوزارات والمديريات وحتى المشاريع الصغيرة هو مخطط لإفشال التجربة العراقية الجديدة وإيصال المجتمع إلى مرحلة اليأس والقنوط وعدم الثقة بكل حزب وكل حكومة، ليكون المطلب سهلاً في حالة تقسيم العراق، ولا يكون هناك اعتراض من قبل فئات الشعب المظلومة المسحوقة التي تبحث عن الأمان والراحة والاستقرار، ولا تثق بعراق موحد مستقل متطور لان هذا أصبح من المطالب المستحيلة كما هو حاصل الآن، وكما نقرأ من لغة الشارع العراقي الحالية، وخصوصاً بعد السقوط الكبير لعدد من محافظات العراق بيد عصابات همجية جاءت من خارج الحدود في ليلة ظلماء، لا يعرف كيف دخلت وكيف استطاعت احتلال محافظات كبيرة جداً مليئة بالقطعات العسكرية المدربة والقيادات العسكرية المجربة والمستعدة لمثل هكذا هجمات إرهابية !!.. بل الجواب بسيط وهو أن الكل مشترك بالمخطط (الامريصهيوسعودي)، والغاية هي إضعاف العراق، والبداية تكون من تقسيمه وليس كما يتوقع ويتمنى غالبية الناس المطالبين بالتقسيم والاستقلال، وان التقسيم سيكون هو نهاية المطاف وسيكون بعده الخير والرفاهية والأمن والأمان بل العكس.
السيناريو الموضوع بعد التقسيم سيكون كالآتي: معارك عنيفة بين القيادات السنية – السنية و بين الشيعية – الشيعية ، فكل حزب يدعي انه صاحب الحظ الأوفر في قيادة الإقليم الخاص بطائفته، وستكون الانتخابات هي نقطة التحول من المعارك الكلامية إلى المعارك الحربية القتالية. وقد يستغرب البعض من هذا الكلام ويرفض أن يقع القادة بمثل هكذا أخطاء . أنا أقول انظروا إلى ما حصل ويحصل منذ سنوات وستعلمون ان الذي أتوقعه كائن ولابد منه. الم تحدث معارك بين السنة والقاعدة من اجل تقرير المصير ؟ الم تحدث خلافات بين داعش والنقشبندية ؟ الم تختلف فصائل العشائر فيما بينها في المحافظات الغربية ؟ الا تفكرون بحزب البعث الذي سيخرج من قمقمه ليعود من جديد الى الحكم؟
وفي المحافظات الشيعية أيضا أذكركم بالمعارك بين المجلس الأعلى والتيار الصدري وبين حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبين المالكي وكل من التيار الصدري والعصائب وأنصار اليماني وأنصار الصرخي وأنصار البطاط والمعارك بين هذه الفصائل مجتمعة ؟
هل ستسكت كل هذه الفصائل المسلحة لكي يتطور إقليم الشيعة وإقليم السنة ؟ هل سيكون التفاهم والتوافق بين تيارات وأحزاب بينها الثأر والخطوط الحمراء والدماء الحمراء ؟
وحتى لو سكتت وتفاهمت وتوافقت، هل ستسكت القوى الغربية والعربية التي رسمت السيناريو ويفشل مخططها الذي صرفت عليه المليارات والمئات من الجنود والعشرات من سني الانتظار لتحقيق الهدف الأغلى والأسمى المتمثل بإضعاف الدولة التي ستكون مناراً للعالم أجمع ؟
استيقظوا رحمكم الله ... التقسيم بداية وليس غاية .
|