لو نبدأ بعد غد

الحرية .. كلمة

ما أسعدنا لو تسابق المتخاصمان إلى موعد أخضر ، فيتعانقان في عيد الحب هذا العام عناق المشتاق إلى المشتاق !.
لو تطهّر قلباهما من الرجس وسواد الحقد ، ونزعا مخالبهما المغروزة في الأعناق في معارك صراعات الديكة ، وتوارت الخناجر المقيمة خلف الحناجر !.
لو قدّم كلّ منهما رسالة اعتذار مشفوعة بأغنية .. لو يتبادلان بطاقات حبّ مضمومة على أطواق ورد وسلّات من زهر .
لو يبدأ التاريخ اليوم . لو شطبا على تاريخيهما الذي ذهب مع الماء !.
ما أجملنا لو يذهب المتحاربان في إجازة عاطفية أبديّة !.
لو تحولت أكداس العتاد إلى براعم من زنبق في الطرقات ، والقنابل إلى أساور وخواتم في أصابعهما .
لو يتكئان على الأوتار بدل الزناد ، والسيمفونيات ونوطات الموسيقى بدل الاتكاء على جدار من الثارات والكراهية .. نغمة تنادى نغمة . تتراخى الأيدي على القبضات ، ويكتمل السناء والبهاء .
ما أسعدنا لو تغدو فوهات البنادق عيوناً سوداً تسترخي كجفون الأطفال وتنسبل !.
لو تحولت دكاكين السياسة في بلادنا إلى دكاكين ترشّ الطيب والعطور في قوارير من العبق !.
ما أحلانا لو قدّم كل متخاصم منهما إلى خصيمه بطاقات ملونة بألوان قوس قزح في السماء ، فتصير الأوراق فراشات من حرير !.
أن يقول أحدهما للآخر كلمات حلوة موزونة مقفاة ، كأنها موسيقى في شفاه ناعمة جائعة لا تشبع من القبلات : ما أطيبك !.
وكم للهوى من فتىً مدنف ِ
وكم للنوى من قتيل شهيد ِ
وأغرى الصبابة بالعاشقين
وأقتلها للمحبّ العميد ِ !.
ما أجملنا لو تحولت الثكنات إلى مصاطب يجلس عليها المحبّون ، حبيب يوشوش في أذن حبيب ، وغرف التعذيب والمعتقلات إلى ملاعب ، والخنادق إلى أراجيح ، وقطرات العرق إلى رغيف خبز في فم جائع !.
أن يبتكرا من القواميس كلمات محبة جديدة في الأبجدية . وبحوراً شعرية جديدة لم يبتكرها الخليل بن احمد الفراهيدي . أن تتحول لعنة النعوش والتوابيت إلى مهرجان يشتعل بالضوء ، ويتوهج بقصائد الغزل !.
ما أسعدنا لو يتفق المتخاصمان على بدء تاريخ جميل وتقويم جديد في بناء هذا الوطن لبنة لبنة ، حجرا حجراً ، يؤرخانه من يوم عيد الحب .. فالزمن كفيل بدمل الجروح ، والأحداث حين تتوالى تضعف الذاكرة ، وهناك من يغفر ومن ينسى المواجع .. لو كان هذا بالإمكان سنكون أمام تجربة هائلة لم يمرّ بها الشرق في تاريخه أين منها ألف ليلة . آنئذ ستصافح الجبال الهضاب وعلى سفوحهما زهور بريّة ، ويتعانق الهور والشلّال ، وتقبّل نخلة في أبي الخصيب ناعوراً يشمخ على ضفة في أعالي الفرات ، في نديف الثلج ودفء الشتاء ونسمة الربيع . سنقرع نافذة الشمس ونقطف بأناملنا النجوم .. والله ما أعذبه هذا الحب !.