فَشَلٌ في الجَلسَةِ الأولى ، فهل مِن أملٍ في الجَلسة الثانيةِ ؟

أختير رئيساً للجلسة الأولى ، تنفيذاً لمواد الدستور ، على إفتراض ، في عقل المشرّع ، أن الأكبر سناً يُتوسّم فيه الحكمة وحسن التصرّف في الحالات المبرمة . ولكننا في بلد لا تسير الأمور فيه حسب المنطق العقلاني ، فلا ترى المشرّع قد قصد ذلك إدراكاً منه ، بل مجاراة لما تعارفت عليه الأمم الأخرى ، بينما نحن في وادي اللامنطق ، وما عرفنا يوماً تسلسل ما نحتاج وما نريد ، وأولئك يعرفون ما يريدون ويخططون له لآجال مقبلة .

ترأس الجلسة وفوّت على الشعب العراقي الفرصة الذهبية في التغيير . هو لم يُفاجأ بحال مجلس النواب ، ومواقف الكتل السياسية . لم يفاجأ بعدم وجود توافق بين الكتل لترشيح رئيس مجلس النواب ونائبيه . لم يفاجأ بعدم وجود توافق في كتلة التحالف الكردستاني لترشيح أحد لمنصب رئيس الجمهورية ولا بترشيح التحالف الوطني أحداً لمنصب رئيس الوزراء . كان له من الوقت متّسع للتفكير والوصول إلى قرار ، لمعرفته مسبقاً أنه أكبرُ أعضاء مجلس النواب المنتخبين سنأ ، وربما عقلاً وحكمة . كان عليه أن يتذكر التصريحات التي صدرت عن التحالف الوطني أنهم ، في حالة عدم تمكنهم من التوافق فيما بينهم حول مرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء فإنهم سيذهبون إلى مجلس النواب بدون مرشح !!!

الجلسة الأولى لمجلس النواب مخصصة ، بموجب الدستور ، لأداء القسم وإختيار رئيس للمجلس ونائبين للرئيس . بينما فشل رئيس الجلسة من تحقيق الغرض الأهم في هذا الإجتماع ، وضيّع فرصة حضور 255 نائباً وممثلين عن جميع المنظمات الدولية والسفارات والشخصيات الدولية والإقليمية . 

العراق الذي يمرّ بفترة حرجة وخطرة تتمثل في الصراع الحاد على السلطة من جهة وضياع هيبة الدولة وشرعيتها ، والفراغ السياسي المتأتي نتيجة كل ذلك ، يحتاج إلى حلّ حاسم ، من أعلى سلطة شرعية موجودة في الوقت الحاضر . وقد إلتأم إجتماعها تحت قبة واحدة ، والمفروض أن القرار الحاسم يصدر من هذا الإجتماع ، وبدون الإرتباط بما يشترطه البعض من ما تمليه جهات من خارجه . ما كان عمار الحكيم بشخصه في القاعة ، و لا كان مقتدى أو علاوي وكتلته التي قررت بإرادتها مقاطعة الجلسة . وكذلك لم يكن في القاعة ممثلون لقوى إقليمية أو دولية لها الحق في التصويت أو التأثير على أعضاء المجلس ، فلماذا إذن لم يقم رئيس الجلسة بواجبه ويكمل مهمته الدستورية ، كما يجب ؟ بل منح فرصة إستراحة كانت سبباً في تشتييت الأعضاء ، وعدم إكتمال النصاب من بعدها . إن الحجج التي سيقت من قبل كتلة المتحدون والكتلة الكوردستانية والتعكز على " أن التحالف الوطني لم يُرشح شخصاً لمنصب رئيس مجلس الوزراء !! " حجة سيقت بعد تقاعس رئيس المجلس في أداء واجبه . إذ أن التسلسل الزمني " حسب الدستور " أن يتم إنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه من بين أعضاء مجلس النواب الحاضرين في الجلسة ، دون توقّع أو إنتظار وجود مرشح متوافق عليه من المكوّن السنّي . إن المحاصصة التي يعتبرها الجميع رأس البلايا التي نعاني منها في نظامنا السياسي الحالي ، ومبدأ التوافق المرتبط بها ، أصبحت لاصقة بعقولنا و لا يريد أحدٌ الخلاص منها ، برغم زعيقه بعكس ذلك ، وكأنها أحذية أبي القاسم الطنبوري ، أينما ذهب ذهبت خلفه . فرئيس مجلس النواب قد فرّط بأقدس وأثمن فرصة للخروج على هذه البلوى . كان عليه أن يستغل حرارة القسم ورهبته على النواب الجدد ، ولا يتهاون في المضيّ قدما لتحقيق الغرض الأهم في الإجتماع ، بأن يخاطب الجميع بإسم الشعب الموحد الذي يمثلونه ، وقد أقسموا على ذلك ، ويطلب من مَن يرى نفسه مؤهلاً لرئاسة مجلس النوّاب الترشيح للمنصب ، ثم يطلب التصويت عليه ، وكذلك بالنسبة للنائب الأول وللنائب الثاني ، وإن لم يفز أحد بالأكثرية في الإقتراع الأول يصار إلى التصويت على الشخصين الحاصلين على أعلى الأصوات .

نعم .. قد يكون رئيس الجلسة يجابه من قبل بعض الكتل النيابية أو رئاساتها بالرفض ، أو حتى بأسلوب خشن ، ولكن ذلك كان سيكشف الرافضين أمام ممثلي المنظمات الدولية والسفارات ، لأن رئيس الجلسة كان في موقف تنفيذ الدستور ، والرافض كأنما يريد دفعه إلى مخالفة دستورية . ولكن مع الأسف الشديد فأن رئيس الجلسة قد خالف الدستور بدون سبب .

قد يخالف البعض ما ذهبت إليه ، ولكني أرى أنه مع إفتراض أسوأ النتائج فإن العراق كان سيخرج من عنق البوتقة المحصورين فيها ، ألا وهي عدم وجود كيان شرعي فاعل وبموجب دستور نافذ ، وعدم وجود ربان للسفينة العائمة في بحر من المشاكل والإنكسارات والهزائم . إن إختيار رئيس لمجلس النواب ونائبيه ، بهذا الأسلوب ، لوكان قد تمّ ، لأمكن إعتباره الخطوة الأولى للخروج من طوق المحاصصة البغيضة . وما قد كانت تتبعه خطوات عملية تشريعية أخرى بدأً بإنتخاب رئيس الجمهورية ثم التكليف بتشكيل الوزارة . 

العراق بحاجة إلى إستقرار ، وأسوأ الإحتمالات في تكوين مجلس النواب ، أو في إختيار رئيس الجمهورية أو في تشكيل الوزارة ، في إطار المعطيات المتوفرة ، ورغم ما توجّه إلى نتائج الإنتخابات الأخيرة من إتهامات بالتزوير ، فإن أساس الإستقرار يعتمد على تهدئة النفوس المتصارعة ، بعد إيجاد غلبة شرعية دستورية لجهة ضد جهة ثانية . وعند ذلك يبدأ التنافس بأسلوب جديد وعلى أسس أولويات جديدة . فالحكومة الفائزة لا تنطلق من مبدأ التشبّث بكل السبل للبقاء في السلطة ، مثلما تعمل الآن للوصول إلى الولاية الثالثة ، بل تعمل على توسيع رقعة قاعدتها الإجتماعية ، بينما تكون الجهة غير الفائزة في موقع المعارضة ، وتمارس حقوقها بأسلوب سلمي ، وتتوحّد القوى الشريفة لمكافحة أعداء الشعب من أي صوبٍ يأتون .

أوردت في مقالة سابقة بعنوان " خارطة طريق إنقاذ العراق " أن الخطوة الأولى تبدأ من مجلس النواب ، بالخروج من طوق المحاصصة والتوافقات السياسية ، غير المجدية ، بل المضرة بالعراق حتى تبلغ درجة الخيانة ، فهل يطلق الشرفاء والعقلاء من السياسيين العنان للنواب أن يقوموا بواجبهم الوطني بما تمليه عليهم ضمائرهم من حب العراق بدل الإنحياز إلى الطائفة أو الحزب أو الكتلة ، وهل تعود كتلة الوطنية عن مقاطعتها لجلسة مجلس النواب بدل ترك الساحة للاعبين الآخرين ؟