ما وراء القسم البرلماني

كم كان متعباً الطريق الذي سلكه الأعضاء الجدد للوصول إلى البرلمان، كم كانت رحلتهم شاقة!! فما أن أكملوا أداء القسم، وتأكدوا من إبرام عضويتهم، حتى شعر البعض منهم بالحاجة إلى وقت للراحة، حقاً إن القسم ثقيل، وأثقل منه الإلتزام بقدسيته الرمزية، وليس أفضل من مفردة التوافق للهروب من استحقاقاته، وياله من اكتشاف عبقري، يوفر لخزينة الدولة الأموال المهدورة لتنظيم الإنتخابات ومراقبتها وحماية مواكب الناخبات والناخبين، يا له من مكر يؤسس لديمقراطية على مقاس القوى السياسية المتصارعة. يقول وزير الخارجية، هوشيار زيباري " .. إن الغالبية السياسية ليست كافية في العراق،فمع أنك قد تفوز، لكن ليس بوسعك أن تحكم، بل يجب أن تسود التسويات" (تصريحه لمجلة ديرشبيغل الالمانية، نقلا عن جريدة الصباح)، وهذا ما أكده مسار العملية السياسية على مدار سنوات، التسويات أو التآمر على سلامة الوطن. الشعب بانتظار معجزة التوافق، فليتوافقوا، ولكن متى، ألا يكفي بعض السياسيين ما جرى لأهل الموصل وصلاح الدين وديالى، من مصائب، ألم تحرك مشاعرهم مشاهد القتل والإغتصاب والتهجير، كي يتفقوا على كلمة من أجل العراق؟
جلسة البرلمان الأولى لم تكن مخيبة للظن، فلا أحد يظن خيراً بما سيقدمه الأعضاء الجدد، فالعقلية التي حكمت الدورتين السابقتين مازالت على حالها، ولا أدري كيف تصور الرئيس المؤقت أن بإمكان من اختلفوا طويلاً، وأداروا ظهورهم لمعاناة الناس، أن يتمكنوا من الإتفاق خلال نصف ساعة، ويعودوا ليقدموا أسماء مرشحيهم لمنصب رئيس البرلمان، ونائبيه، هل نحن أمام مشهد فكاهي، ولماذا منحهم في الأساس فرصة ليخرجوا من القاعة، وهو غير غافل عن نواياهم بالتغيب وضرب النصاب؟ لن اقول أن ما حصل في الجلسة مخالف للدستور، فلا أحد التزم به حقيقة في وقت السلم، فكيف الحال والبلاد في حالة طوارئ قصوى، وتخوض حرباً ضد الإرهاب البعثي والدولي؟ ألم تتعطل دساتير في بلدان مرت بأقل مما يمر به العراق؟ ألم تعلن قيادة إقليم كردستان موت المادة 140؟ صحيح أن رئيس الوزراء، قال أن ذلك مرفوض، لكن الواقع لا يساعد على الرفض، ومادام الأمر كذلك فعلى أي أساس يتمسك الكرد بمنصب رئيس الجمهورية؟ ألا يقتضي الأمر إعادة النظر بالعملية السياسية برمتها؟
لم يمر العراق عبر تاريخه الحديث بوضع أخطر مما يشهده الآن، ومازال معظم السياسيين يتصارعون على المناصب، حتى في الكتلة الواحدة، وأخشى أن يقود العفو الذي أصدره السيد المالكي، إلى خلط أوراق كثيرة، فيستفيد منه بعض أصحاب الملفات المحفوظة. والناس طالما تساءلوا، لماذا يؤجل رئيس الوزراء الإعلان عن من تورطوا بالإرهاب، فكان يقول أنه كلما فتح ملفاً ثارت عاصفة، لقد حاول أن يتّقي العواصف، لكنه ومنذ انكشاف الدور التآمري الذي لعبه نائب الرئيس السابق، المدان طارق الهاشمي، الذي يتفاخر اليوم بأنه إرهابي داعشي، منذ ذلك الوقت، بدأت دوائر إقليمية وداخلية، في الإعداد الجدّي لغزوة داعش وحلفائها، وانكشفت نوايا أطراف في العملية السياسية، لقد حان الوقت لفتح جميع الملفات، فالعراق يواجه إعصاراً غادراً لن يبقي أحداً في مكانه، حتى من يظنون أنهم في منجى لتربعهم على قمة البلاد. كلمة أخيرة أوجهها إلى السيد رئيس الوزراء، إذا كنت مصّراً على البقاء في الحكم لأنك لا تريد أن تخذل الشعب العراقي، وتكمل مهمتك في التصدي للدواعش على اختلاف هوياتهم، كما قلت في بيانك الأخير، فليس أمامك غير قراءة جميع الملفات بصوت عالٍ، وإلا لن يصدقك أحد، إنها مهمة في غاية الصعوبة، والأصعب منها تلبية مطمح العراقيين في اختيار شخصية وطنية مخلصة، لم تتورط بألاعيب العملية السياسية، فقد سئم الناس صراع الأحزاب التي لا تملك مقومات التنافس السياسي، وهي أما تعتصم بتدين زائف، بجناحيه السنّي والشيعي، أو بعنصرية قومية، أو بلا شيء سوى ما حصدته من أموال الفساد، وسلطة المال.