أحفاد سرحان لا ينتابهم الحرج حين يسمعون الاخرين يرددون القول "مثل صاية سرحان " المرحوم ترك قصة أصبحت مثلا شائعا بين اهالي ناحية في محافظة الديوانية ، والرجل في شبابه ترك العمل الزراعي مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي احتجاجا على جور الاقطاع وفضل التطوع في صفوف الجيش ، لاعتقاده بان حصوله على رتبة العريف سيمنحه قوة معنوية واعتبارية لإزالة الفوارق الطبقية ، بين الفلاحين والاقطاعيين اصحاب النفوذ الكبير المدعومين من النظام في ذلك الوقت. سرحان عمل في وحدة عسكرية كان مقرها في معسكر الوشاش " حديقة الزوراء حاليا" سمع من زملائه مفردات جديدة ،من قبيل الصراع الطبقي الديمقراطية الاشتراكية وغيرها من الكلمات حفظها ، ونقلها الى أهله ومعارفه في مكان سكنه ، ولم يكن احد يستجيب لتلك الكلمات وربما عدها بعضهم مصطلحات عسكرية ، خاصة بمنتسبي الجيش ، وحين سمعها واحد من حاشية الاقطاعي ، وجه رسالة شديدة اللهجة الى ابي سرحان ، تتضمن التحذير من تداول الافكار والمفردات المريبة ، والا سيضطر "المحفوظ "الى ابلاغ المسؤولين في بغداد بان سرحان ينتمي الى تنظيم سياسي يخطط لتنفيذ انقلاب ضد النظام . الاب بدوره نقل الرسالة الى سرحان ، وشعر الاخير بالزهو والكبرياء ، لان المحفوظ اثارته الكلمات وزعزعت هيمنته ونالت من قوته ، وأوصى شباب الناحية بترديد شعار " المستقبل للعمال والفلاحين" عند مرور الاقطاعي وبطانته وحاشيته ، وعاشت الناحية حالة من التوتر استدعى حضور احد ضباط الشرطة ليلقي خطبة توصي الاهالي بترك السياسية لرجالها في بغداد ، وتكثيف الجهود لزيادة انتاج الشلب ، والتلويح بانزال اشد العقوبات بحق من يتجاوز على رموز النظام وفي مقدمتهم" المحفوظ " واتباعه. سرحان قطع اجازته الدورية وغادر الناحية استجابة لنصائح ابيه ، وتوجه الى بغداد ، وفيها توفرت له بمساعدة زملائه فرصة التعرف على اشخاص ينتمون الى تنظيم سياسي ، سمع منهم احاديث " فرت دماغه " واعطت لروحه شحنات ثورية تتعلق بالقضاء نهائيا على التفاوت الطبقي في الريف بجعل الاراضي ملكا للفلاحين بإقامة النظام الاشتراكي، يحقق العدل والمساواة بين ابناء الشعب العراقي . الاطاحة بالنظام الملكي في العراق حققت النصر لافكار سرحان ، وبعد مرور اكثر من ستة اشهر من عمر الجمهورية ، عقد سرحان اجتماعا موسعا لفلاحي القرية ، واخذ يثقفهم بقانون الاصلاح الزراعي ، وكان الوقت شتاء ، ولقربه من الموقد سقطت جمرة على صايته فأحرقت جزءا منها ،وبعد ايام قامت ام العيال باخفاء الجزء المتضرر من الصاية برقعة قماش ، لكي يرتديها سرحان في اجازته الدورية ، ليقوم بمهمات تثقيف الفلاحين ، واثناء الحديث معهم كانت الاشارة الى صاية سرحان حاضرة على الدوام بوصفها علامة واضحة الى الانتقال الى مرحلة جديدة تحقق الازدهار والاستقرار في العراق ، ونتيجة حصول مستجدات في الاحداث وتنفيذ انقلابات عسكرية اصبحت البلاد تحت رحمة الشياطين والعفاريت ، وربما لهذا السبب لا يشعر احفاد المرحوم سرحان بالحرج من ذكر المثل الخاص بصايته . |