إن تاريخ الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر هو تاريخ تغيير وتبدل مستمرين من مجتمع إسلامي شبه مغلق على نفسه إلى مجتمع يتعرض فجأة إلى زخم الحضارة الأوربية الجديدة وقد مر المجتمع العربي لعدة قرون بالعزلة والسكون والجمود والاضمحلال.. ففي ظل الاحتلالات الأجنبية المتعاقبة منذ الغزو المغولي توقفت حركة الإبداع وتحولت التقاليد الثقافية إلى قوالب جامدة وقد أصاب التدهور كل مرافق الحياة والنشاط العام . كان الغرب في حينها في تقدم مستمر في العلوم والتقنية والصناعات الحربية وفي الثقافة والعلوم والآداب والفلسفة والنظريات السياسية مع تعزز نظام الحكم والتداول السلمي للسلطة لاحقاَ, بالمقابل كانت هناك ولايات الدولة العثمانية المتخلفة في كل شيء . إن التقدم المادي والثقافي المتسارع الذي أعقب القرن العشرين والحادي والعشرين في أمريكا وأوربا هدم الحواجز والحدود بين الدول والقارات فما يحدث في أمريكا نجد له صدى في العراق وما يدور في اليابان نرى له رد فعل في مصر , وهكذا أخذت البشرية تسير في طريق النظام العالمي الجديد أو ما يطلق عليه – العولمة – بحيث أصبح العالم اليوم قرية صغيرة وليس أمارة متطرفة عقائدياً , لذا لا يسعى إي عربي إن يتغاضى عما يدور حوله في البلدان الأخرى.. بأستثاء فئة متخلفة عقليا وفكرياً تريد إرجاع التاريخ إلى الوراء وتطالب بعودة الخلافة الإسلامية ولا نعرف هل تريد إعادة الخلافة على غرار الحكم الأموي أو العباسي أو العثماني ؟ لو أخذنا مثلا خلافة طالبان في أفغانستان التي تم تصويرها على أنها المثل الأعلى للخلافة الإسلامية والتي مارست القسوة ضد كل أعدائها في الداخل والخارج ، واستخدمت سلاح الرعب لنشر أفكارها وتوجهاتها الدموية ، لم يذكر التاريخ لنا من إنجازاتها إلا جر أفغانستان ودول المنطقة إلى مزيد من التخلف والفوضى والقتل الجماعي ، ، واليوم فإن العصابات المتشابهة في الشام والعراق التي تطلق على نفسها( داعش ) أو (النصرة ) والمستخدمة لنمط طالبان الفاشل لا تدرك أنه وفور أن تقرر الشعوب المبتلاة بها إنهاء وجود هكذا تنظيمات نكرة , فإن الأمر لن يأخذ منهم إلا أشهر عدة، والغريب أن أغلب من يحن إلى أيام الخلافة الإسلامية ويدعو إلى زوال الحكام العرب والمسلمين يدرك تماماً أن الخلافة الإسلامية قد وصلت إلى أوج ازدهارها تحت حكم العائلات الحاكمة التي لم يتم اختيار الخليفة فيها بناء على مبدأ «وأمرهم شورى بينهم» فقبل أن تطالبوا بإقامة الخلافة الإسلامية في بلدان غير بلدانكم ,انظروا إلى نبينا الكريم ( ص ) وكيف تدرج في دعوته، وكيف مهد لانتشارها، ثم انظروا إلى الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم)....وكيف استطاعوا إدارة شؤون المسلمين بعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول. اليوم يكفي رجل الدين أن يدير صفوف المسلمين في المساجد ويعتلي المنابر ليخطب في الناس كل يوم جمعة ، وليترك مطالبه بقيادة الدولة إلى أهل الاختصاص ممن يمتلكون الكفاءة المهنية المطلوبة، ففي النهاية بمقدور بلدانا التوهج من جديد وسط عالم حديث متطور، بعيدا عن خلافتهم الإسلامية التي لا تكون هي الحل الوحيد حالياً لبلوغ ذلك الهدف.
|