رفض الفكر"الجهادي" اقامة "الدولة الاسلامية"

دعا زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" الجهادي المتطرف الذي أعلن نفسه "خليفة"، في أول ظهور علني مصور له، المسلمين إلى طاعته، بحسب ما جاء في تسجيل نشرته مواقع تعنى بأخبار الجهاديين.

وقال أبو بكر البغدادي "الخليفة إبراهيم" بحسب ما جاء في التسجيل المصور الذي ذكر القيمون عليه أنه صوّر في الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية يوم الجمعة 4 يوليو 2014 "أطيعوني ما أطعت الله فيكم".

وبدا البغدادي مرتدياً ملابس وعمامة أثناء صعوده للمنبر، وظهرت على الشاشة عبارة "الخليفة إبراهيم أمير المؤمنين في الدولة الإسلامية". نشر موقع الفرقان، الموقع المعتمد الى تنظيم "داعش ـ الدولة الاسلامية" ظهور الخليفة الجديد، المكان كان داخل جامع الموصل الكبير شمال العراق والزمان هو صلاة الظهر الجماعة يوم الجمعة المصادف يوم 4 يوليو 2014. جاء ظهور البغدادي بعد كثير من التسائولات حول عدم ظهوره علنا، مثلما تفعل زعامات التنظيمات "الجهادية" والقاعدة ابرزها الظواهري زعيم القاعدة والوحيشي زعيم تنظيم اليمن وشبه الجزيرة العربية. ظهوره كان متوقعا وقد اشارت بعض المصادر العلنية والتقارير بأن ظهور البغدادي بات قريبا. كانت صورة البغدادي تثير ايضا الاهتمام بعد ان تعود المشاهد على صورة منشورة من قبل لاستخبارات العراقية قبل سنوات في سجن بوكا ـ العراق.

 

ظهور زعيم " الدولة الاسلامية" هذه المرة جاء تحت عنوان اسمه الحقيقي، ابراهيم "امير المؤمنين في الدولة الاسلامية" وهذا يعتبر نقله نوعية في سيرة التنظيم. فسبق ان لقب بانه ابو بكر البغدادي القرشي، ليحصل على شروط الزعامة ولكسب المقاتلين والسكان المحليين، بانه من العراق بعد ان كانت غالبية قيادات القاعدة من العرب وجنسيات غير عراقية، وهي محاولة من التنظيم لحصول اجماع عراقي انذاك عام 2010، ولقب ايضا بالقرشي ليكون الاحق بتزعم الدولة الاسلامية ويحصل على اجماع المسلمين من خارج العراق، هي القاب وتسميات تمنحها القاعدة والتنظيمات"الجهادية" الى زعاماتها لكسب الشرعية.

 

أبو بكر البغدادي

 

هو إبراهيم عواد ابراهيم البدري، كنيته السابقة أبو دعاء و عمل محاضراً في الدراسات الإسلامية، وإماماً لجامع أحمد بن حنبل في سامراء، ومن ثم إمام جامع في بغداد، وآخر في الفلوجة. اعتقلته القوات الأميركية في 4 يناير 2004. أسس في وقت سابق تنظيماً تحت اسم جيش أهل السنة، والتحق بعدها بالقاعدة، وأصبح الرجل الثالث في التنظيم. تولى القيادة خلفاً لأبو عمر البغدادي.  ورغم ان بعض التقارير وصفته بانه بتمتع الخبرة والتكتيكات العسكرية القتالية، الا ان الحقائق تعكس غير ذلك تماما، وتجبرته لا تتعدى تدريس مادة الشريعة لكنه يعتمد على مجموعة خبراء عسكريين منحو ولائهم للبغدادي. ويركز البغدادي في تمدد تنظيمه ليضم محافظة ديالى التي ينحدر منها، ربما الجغرافية التي تتمتع بها بقربها من بغداد ومحاذاتها الى سلسلة جبال حمرين تعطية القدرة على استخدام التضاريس في مواجهة حكومة بغداد.

 

يظهرالبغدادي اليوم بخطبته بأنه خليفة امير المؤنين في " الدولة الاسلامية" وباسمه الحقيقي، وهذا يعني انه بات متمسكا بشخصه وحضوره اكثر من لقب البغدادي الذي ربما كان منحصرا بزعامة تنظيم وليس خلافة. يشار ان اسم "الدولة الاسلامية" عند البغدادي يتعارض منذ تاسيسها مع القاعدة ومع زعامة التنظيم المركزي، وهو امتداد الى التوحيد والجهاد. المعلومات التي تواردت من اوساط التنظيم المركزي للقاعدة، ذكرت اعتراض اسامة بن لادن وكذلك ابو يحيى الليبي الذي كان معنيا بادارة الجهاد الاعلامي للقاعدة واعتبروه تعارضا مع منهج القاعدة. اليوم  البغدادي يعلن نفسه اميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين لكنه لم يستخدم كلمة "خلافة اسلامية" وابقى على استخدام تسمية "الدولة الاسلامية" والتي يعني الكثير، ابرزها التمكين في الحوكمة والسلطة وادارة الدولة.

"الدولة الاسلامية"

تاسست في اعقاب مقتل ابو مصعب الزرقاوي 2006 وانطلقت منها جبهة نصرة الشام حتى انشقاق الاخيرة ومبايعتها الظواهري في ابريل 2013. تعتبر من اكثر التنظيمات قدرة بشرية وعسكرية بزعامة ابو بكر البغدادي الذي تزعم التنظيم في اعقاب مقتل ابو بو عمر البغدادي 2010، وبدا يتسع جغرافيا في داخل سوريا خاصة في المناطق المحاذية الى محافظة كركوك الغنية بالنفط ويشترك مع الاكراد بعدة مواجهات، وانظم تحت لوائها عدد من الالوية والكتائب من تنظيمات اخرى بسبب مايقدمه التنظيم من رواتب وامتيازات وهو الاكثر عنفا. كانت ألمنطقة الغربية في اعقاب الغزو الاميركي للعراق 2003  حاضنة وملاذ  الى تنظيم القاعدة ثم  " الدولة الاسلامية " والى تنظيمات "جهادية اخرى واختلطت مابين المقاومة والارهاب كثير حتى عام 2006  لتقاتل عشائر الانبار تنظيم القاعدة وتخرجه من مناطقها بعد ان عجزت الحكومة والقوات الاميركية، لكن بقيت المنطقة الغربية تمثل ملاذا جغرافيا  أحاديا لما يسمى بالدولة الاسلامية ".

 

اصدار جوازات "الدولة الاسلامية"

 

ظهرت "الدولة الاسلامية" اكثر اندفاعا بادارة شؤون المدن التي تسيطر عليها واصدار البطاقات الشخصية والجوازات والسيطرة والتحكم في المنافذ الحدودية "للدولة". فقد كشفت وسائل الاعلام بأن تنظيم "داعش" أصدر يوم 5 يوليو 2014 جواز سفر رسمي في الموصل، ليوزعه على 11 ألف شخص داخل المدن والنقاط الحدودية بين العراق وسوريا التي أحكم السيطرة عليها. وكتب في أعلى الجواز عبارة "دولة الخلافة الإسلامية" وبجانبها علم داعش وأنه تم ذلك في مركز الهويات وجواز السفر الذي افتتحته الحكومة العراقية سنة 2011، على أساس أن تبدأ في عملية استخراج بطاقات الهوية بداية الأسبوع المقبل، لتكون هذه العملية بمثابة خطوة أخرى بهدف مأسسة الدولة الجديدة.

 

"ألخليفة" اماما اكثر من زعيم تنظيم

 

لقد ركز "امير المؤمنين" ابراهيم  في خطبته على امور الدين والشريعة وابتعد من الخوض في موضوع التنظيم ليطرح نفسه اماما وخليفة اكثر من ان يكون زعيم جماعة مسلحة. واشار في خطبته بطلب الطاعة باعتبارها واجب شرعي. وقد ظهر "امير المؤمنين" بحالة مستريحة، وبشكل علني وهي سابقة "جهادية "ان يؤم زعيم تنظيم مسلح الى المسلمين في صلاة جمعة بشكل علني وظهر بجلباب وعمامة سوداء، على خلاف ما هومتعارف عليه في امامة اهل السنة ومشايخها بان تكون العمامة بيضاء، العمامة السوداء تنحصر في بيت رسول الله (ص) وهذا يعني بانه منح نفسه نسبا لاينتسب اليه مطلقا. التنظيمات "الجهادية" وزعامات السلفية الجهادية تعارض حلق الشعر او قصه، وكان "امير المؤمنين" حليق الشعر! وعكست خطبة  البغدادي خبرته في الخطابة، بالاستشهاد بايات الذكر الحكيم واقوال الصحابة وبطريقة خطابية ليثبت بانه فعلا كان خطيبا واماما  قبل الالتحاق بالعمل المسلح.

 

رفض الدولة الاسلامية

 

ظهور"الخليفة ابراهيم" من شأنه يثير الكثير من الخلافات مع المجموعات المسلحة في العراق على وجه التحديد، فتلك الجماعات راهنت على ان تنظيم الدولة الاسلامية لايمثل الا نسبة ضعيفة في "الحراك" وهذا يعني ان مزيدا من الخلافات والانشقاقات سوف يشهده هذا التحالف.  وفي ذات السياق فمن المتوقع ان تخسر الزعامات العشائرية السنية والمجموعات المسلحة تاييدها من قبل بعض المنظمات او الاطراف الداعمة. اما على مستوى مشايخ الفكر " الجهادي" فسوف يواجه خلافا كبيرا ايضا، لكن في نفس الوقت هذه الخطوة ممكن ان يحصل عليها امير المؤمنيين مقاتليين اكثر على الارض والتحاق فصائل جديدة ميدانيا، ان اغلب  مؤيدي البغدادي من أصول غير دينية.

 

وانتقد منظر التيار السلفي الجهادي في الاردن أبومحمد المقدسي في بيان اعلان دولة "الخلافة الاسلامية"  مطلع شهر يوليو 2013 منددا بتوعد تنظيم "الدولة الاسلامية" مخالفيه "بفلق هاماتهم بالرصاص" .وتساءل عاصم البرقاوي الملقب بابو محمد المقدسي في بيان "هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم أم سيتخذ هذا المسمى سيفا مسلطا على مخالفيهم من المسلمين ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم؟". ومن المرجح ان يشهد  رفضا من مشايخ اخرين.

 

اما رئيس المجلس الشرعي في الجبهة الإسلامية، الشيخ أبو عبد الملك، فقال في كلمة صوتية له "إن الشوكة الحاصلة لجماعة خوارج الدولة شوكة عابرة ـ اي تنظيم الدولة الاسلامية ـ يغلب على الظن زوالها، فهذه الشوكة قامت والناس منشغلة بدفع الصائل وقتال العدو. وأن هذا الإعلان ما هو إلا من ضمن المواقف العبثية التي يتلاعب الخوارج من خلالها بأحكام الشريعة ومسيرة الجهاد ومصير الأمة، فالخلافة ليست أحلاما نرجسية يعيش في ظلها العشاق (..)."

 

لم يتطرق "الخليفة " في خطبته الى تطور الاوضاع  السياسية العامة او مهاجمة الغرب واميركا ولم يشير الى تطورات الازضاع في فلسطين التي تزامنت مع خطبته، ولا عن واستشهاد اعداد من الشباب الفلسطيني وممارسات تل ابيب ضد الفلسطينين في القدس وفي الاراضي الفلسطينية الاخرى.

إن اعلان الدولة يعني طلب "الخليفة ابراهيم"من باقي التنظيمات "الجهادية" والمجموعات المسلحة برمي  السلاح واعطاء البيعة، وهذا يعني ان "الدولة الاسلامية" سوف تدخل مرحلة جديدة  تعرف بالمواجهات المسلحة ميدانيا.

 

* باحث في قضايا الا رهاب والاستخبار