ليس انساناً وليس له دين او مذهب او عقيدة من يرى اخاه الإنسان يتعرض الى الظلم او الاضطهاد او التمييز دون أن يفعل شيئاً. وليس له ضمير أو اخلاق او إحساس من يرى أخاه الانسان يتألم ويتعذب ولا يشعر بالأسى والحزن له وعليه ويجتهد في إنقاذه. فلا خير في أتباع أي دين أو مذهب او أية عقيدة لا يدعون الى المحبة والانسانية والتسامح بين جميع البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او القومية او المذهبية او لون البشرة او الجنسية. فسعادة الانسان وراحة باله وضميره لا تتحققان الا بإسعاد وحب واحترام اخوته في الانسانية والسعي في قضاء حوائجهم وخاصة الفقراء والمساكين والايتام والارامل والمعاقين الذين هم بأمسّ الحاجة الى الرعاية والعناية والعطف والحنان. ان جوهر وهدف الدين هو الاخلاق الحسنة وحب الخير والسعادة لجميع البشر، اما العبادات والشعائر والطقوس فهي وسائل ( وليست اهداف ) لتحقيق هذا الهدف السامي النبيل. ان الدين يمثل حاجة روحية ونفسية ملحّة وعميقة بالنسبة للإنسان وبالتالي فليس من الحكمة ان نرفض او نزدري الجوهر الروحاني والانساني للدين. فهو كما يقول الفيلسوف الالماني الشهير ليسنغ (1729 – 1781) ما معناه : "ان الدين انبل وارق عاطفة على مر العصور، ولكن يجب ان نكشف عن جوهره ومعناه الانساني الحقيقي ونخلصه مما ليس هو فيه ". وكذلك يقول الفيلسوف الفرنسي الكبير فولتير (1694 – 1778) حول الايمان بالله مامعناه : ان الايمان بالله ضروري لكي تستقيم الامور في المجتمع والكون. ولو لم يكن موجوداً لوجب اختراعه. لماذا؟ لأن الايمان بوجود الله يمنع السارق من السرقة او قلْ يحدّ منها عن طريق تذكيره بالعقاب في الدار الاخرة، كما يشجع الانسان الصالح على فعل الخير لأنه يذكره بالثواب الذي سيلقاه عاجلاً او آجلاً. ولو كان الانسان يعتقد بأن لا وجود للثواب والعقاب في هذا الكون لإنفلتت الامور وعمّت الفوضى المجتمع. ثم يقول : ان فعل الخيرهو افضل عبادة يمكن ان نقدمها لله. كذلك يقول الفيلسوف الالماني كانت (1724 – 1804): ان القيم الاخلاقية العليا التي تمثل جوهر الدين لا تتعارض اطلاقاً مع تقدم المعرفة والعلم والتنوير. فلو أخذنا اركان الدين الاسلامي وهي العبادات الاربعة : الصلاة والصوم والحج والزكاة ، فانها وسائل لهدف سامي نبيل وهو الاخلاق. فعندما يصلي الانسان المسلم خمس مرات يومياً ويتجه الى الله في صلاته فلكي يتجنب ان يقوم بأي عمل يسيء الى اخوته في الانسانية كالكذب والغش والنفاق وغيرها لأن ذلك سوف يجلب عليه غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة. وعندما يصوم المسلم فأنه يشعر بالجوع والعطش وهو بذلك يحس ويشعر بجوع وعطش الفقراء والمساكين الذين ليس لديهم مايسدون به رمقهم وبذلك يتحفز لمساعدتهم. وعندما يحج فأنه يقابل اخوته في الانسانية من مختلف الاجناس والاقطار والمذاهب ويشترك معهم في مراسيم الحج المختلفة وهم بملابس الاحرام البيضاء الموحدة لا فرق بين الابيض والاسود ولا بين الغني والفقير ولا الحاكم والمحكوم. انها المساواة بكل ما تعني الكلمة من معنى. وعندما يزكي فأنه يضحي بجزء من جهده وماله في سبيل مساعدة المحتاجين والفقراء وهو بذلك يتعلم معنى التضحية والعطاء في سبيل اخوته في الانسانية. اما رجال الدين الذين يزرعون الحقد والكراهية بين الناس عن طريق اثارة النعرات الطائفية والمذهبية بينهم ويهاجمون كل من لا ينتمي الى دينهم او مذهبهم فأن هذا الفعل ليس من الدين في شئ. فلو كان هناك شخص من ديني ومذهبي ولكنه سيء الخلق وشرير، وهناك شخص آخر ليس من ديني ومذهبي ولكنه مستقيم السلوك وحسن الاخلاق ويحب ويحترم الآخرين. فمن هو الافضل؟ لا اعتقد ان هناك شخصاً لديه ذرة من العقل والاخلاق ليفضل الاول على الثاني. فلو قارنا المجتمع في السعودية او ايران وهما مجتمعان مسلمان متدينان مع المجتمع السويدي الذي 85% من سكانه حسب الاحصاءات الرسمية ليس لديهم اعتقاد ديني او مذهبي بالمعنى السائد لدينا حيث نركز نحن كثيراً على العبادات والشعائر والطقوس ونهمل او نقلل من الجانب الاخلاقي والانساني للدين، فأي من هذه المجتمعات يمكن ان يدخل الجنة حسب المفهوم الاسلامي؟ وجهت هذا السؤال الى عشرات الاشخاص من المسلمين المتدينين واغلبهم من المثقفين ويحملون الشهادات العليا من الذين عايشوا عن قرب هذه المجتمعات والمجتمعات الاخرى المشابهة وطلبت منهم ان لا يسرعوا في الاجابة، فكان الجواب بسرعة ومن الجميع وبدون تردد مع القسم : انهم والله هم الذين يستحقون ان يدخلوا الجنة وليس نحن ! ومما يؤكد هذا الكلام ماقاله المفكر والمصلح الديني الشيخ محمد عبده ( 1849 – 1905 )الذي لا اعتقد ان احدا منا لم يقرأ عنه او يسمع به : ذهبت هناك ( يقصد اوربا ) فوجدت الاسلام ولم اجد مسلمين , وأتيت هنا ( ويقصد بلاد المسلمين ) فوجدت المسلمين ولم اجد اسلام . ان المثقف الحقيقي هو الذي ينتقد جماعته او طائفته قبل ان ينتقد الجماعات والطوائف الاخرى. فمن السهل ان انتقد وادين التعصب عند الطوائف الاخرى لأن ذلك لا يكلفني شيئا من الناحية الشخصية او النفسية، اما عندما يتعلق الامر بنقد طائفتي فانه يصبح الامر في غاية الصعوبة. فليس من الحكمة والاخلاق والشجاعة ان ندين التعصب لدى الطوائف الاخرى ونسكت عليه اذا ما جاء طرف جماعتنا. وسوف اذكر ادناه بعض الاحاديث النبوية الشريفة الواضحة والصريحة والتي لا تحتاج الى تفسير او شرح والمعترف بها من جميع المذاهب الاسلامية، ونرى مدى التزامنا بها نحن المسلمون في حياتنا العملية. • "الراشي والمرتشي الى النار". ياترى من منا لم يدفع او يستلم رشوة في حياته. • "لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". لا اعتقد ان هناك من يحب لأخيه في الانسانية، او حتى في الدين، كما يحب لنفسه الا نادراً جداً. • "اطلبْ العلمَ من المهدِ الى اللحدِ". و "اطلبْ العلمَ ولو كان في الصين". حيث اصبح المثل السائد والذي ينطبق علينا نحن المسلمون: امة أقرأ لا تقرأ. وبحسب احصائيات الامم المتحدة فإننا اصبحنا في مقدمة الدول التي تنتشر فيها الامية والجهل والتخلف. • "الخلق كلهم عيال الله، فأحبّ الخلق الى الله مَنْ أحسن الى عياله". ياترى كيف نعامل نحن المسلمون عيال الله في بلداننا الاسلامية وغير الاسلامية. ان اي نوع من المشاعر يحملها الانسان تجاه اخوته في الانسانية ، تعود عليه في الحال وبالمثل. فعندما يحمل الانسان مشاعرالمحبة والاحترام وحب الخير لأخية الانسان في العمل والمدرسة وفي الطريق وفي اي مكان في العالم، فأن هذا الشعور يعود عليه بالسعادة وراحة البال والضمير. وعلى العكس من ذلك عندما عندما يحمل الانسان مشاعر الحقد العنصري والطائفي ولا يحب الخير لأخيه الانسان، فأنه يشعر في الحال ودائماً بالتعاسة والتوتر والاضطراب النفسي. فالحياة قصيرة جداً وعلينا استغلالها في عمل الخير ونشر ثقافة المحبة والتسامح واحترام الاديان والمذاهب والمعتقدات الاخرى وعدم الاساءة اليها فأن ذلك هو العلاج الفعال والوحيد لداء التعصب الاعمى الذي يمزق المجتمع العربي والاسلامي في الوقت الحاضر مع الاسف الشديد.
|