العراق الرث هو مأثرتهم

يرى سياسيو العراق الجديد ما لا نراه، ما لا يراه الناس من العراق.

بالنسبة لهم وقد ارتفع بهم المحتل الاميركي من القاع إلى القمة ان كل ما يحل بالعراق من كوارث ومآس لن يكون موضوعا مهما إلا إذا تهددت مصالحهم الشخصية بما يعني قرب زوال النعمة التي هبطت عليه لقاء ولائهم لحامي وجودهم في السلطة وهو السيد الاميركي.

وإلا بماذا يمكن أن تفسر حالة عدم الاكتراث التي يعيشها أولئك السياسيون في مواجهة ما حدث ولا يزال يحدث في مناطق شاسعة من البلد الذين يدعون أنهم قد انتخبوا من أجل ادارة شؤونه؟

من يراقب سلوكهم وهم يديرون أزمات الحكم يشعر أن كل شيء في العراق لا يزال تحت السيطرة. فالبرلمان الذي هو جهة التشريع والرقابة عجز أعضاؤه عن انتخاب رئيس له، فأجلوا لقاءهم التالي شهرا، ليتاح لهم التمتع بسهرات رمضان ونوم نهاراته في انتظار العيد ولولا الضغط الاميركي لما تراجعوا عن قرارهم السابق.

اما رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي فلا يزال يتصدر المشهد باعتباره الاحق والاصلح بين الجميع لتولي ولاية ثالثة، رغم أن الهزيمة البشعة التي تعرض لها جيشه، حين تخلى عن جزء كبير من العراق للغزاة هي سبب كاف لاحالته إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.

لا أحد من السياسيين المشاركين في ما يسمى بالعملية السياسية والذين صار المالكي ينظر إليهم بازدراء واستخفاف قد اعترف ولو من باب رفع العتب أنهم مُسيرون لا مُخيرون وأنهم مجرد بيادق ينقلها بين المربعات اللاعبان الرئيسيان في العراق: الولايات المتحدة وايران.

لم يقل أحد منهم ولو كلمة واحدة تشي برغبته في الاعتذار من الشعب العراقي الذي صار جزء منه يستظل براية الخلافة الاسلامية والجزء الآخر ينتظر الغزاة بقلوب راجفة وعيون دامعة.

ترى ما سر كل هذا الاطمئنان المغلف بالصلف؟

حين عقد البرلمان العراقي الجديد جلسته الاولى لم يتساءل أحد من النواب الجدد عما جرى ويجري في ثلثي الارض العراقية، وهما الثلثان اللذين خرجا من نطاق سيطرة الحكومة المركزية.

خرجوا في هرج ليصطفوا في طابور من أجل التوقيع على امتيازاتهم.

كما لو أن الجزء الاكبر من البلد الذي يشرعون له قوانينه لم يسقط في قبضة جماعات مسلحة. كما لو ن ابو بكر البغداي لم يلق خطبته العصماء من على منبر في جامع النور بالموصل التي كانوا يسمونها بأم الربيعين، كما لو أنهم لا يعرفون اين تقع الموصل. كما لو انهم لم يسمعوا بأن بغداد قد أحيطت بالحواجز الترابية مخافة ان يغزوها الدواعش.

ما من شيء في سلوك السياسيين العراقيين يشي بالاكتراث بما يقع خارج المنطقة الخضراء، وهي منطقة الحكم التي قرر الاميركان أن يحموها.

ولكن عدم الاكتراث يصدر أيضا من مكان آخر، غير الشعور بالحماية المطلقة.

فقطاع الطرق واللصوص والأفاقون ومزورو الجوازات والمهربون والقتلة وأفراد العصابات ورواد السراديب وزبائن النفايات وخدم الغزاة لا يهمهم بعد أن صاروا حكاماً ما يجري لشعب خانوه وما يقع لبلد كانوا مسبقا قد وقعوا على خرائط تقسيمه أو على الاقل تفكيكه من أجل أن يبقى مستضعفا إلى الأبد.

سيكون من السذاجة أن ننتظر من أحد من سياسيي العراق الاعتراف بشعوره بالعار أمام ما انتهى إليه العراق من حال يرثى لها بسبب سياساتهم.

هم يشعرون اليوم بالزهو وقد وصلوا بمشروع المحتل الاميركي إلى نهاياته: إلى عراق لن تقوم له قائمة.