الحاجة فوزية كاظم شجاعة تليق بالفرسان

هل تكون المواقف الشجاعة حكراً على جنسٍ دون آخر؟ وهل الشجاعة مذكرة حتى صارت قرينة بالرجال وأشباههم؟

لطالما قلتها وأقولها وهي تنبع عندي من إيمان خالص بأن الشجاعة قيمة عليا وهي إنسانية بغض النظر عن نوع ذلك الإنسان أو جنسه أو عمره أو.. أو .. أو...

ولذلك فإن من يحاول ان يختصر الشجاعة بجنس الرجال ويعطيها صفة الذكورية ويقرنها ويحصرها بها، واهمٌ جدا ، والحياة حافلة بالأمثلة الكثيرة..... في كل المواقف: السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية الحياتية على وجه العموم، وفي كل مراحل التاريخ.....

ولذا فإنني "واسمحوا لي بهذه الحرية في التعبير" استخدم بعض المعايير والدلالات دون أن تكون أصلا متطابقة مع جنس معين كأن تكون صفة ذكورية او أنثوية، فالقيم الأخلاقية والإنسانية واحدة ولن تستطيع يوماً أن تبرهن على ذكورية قيمة أمام أنثوية قيمة أخرى، ولذلك صار من الأمور العادية لدي أن أرى شهامة عالية لدى كثير من النساء في وقت ترى فيه خذلاناً كبيراً عند الكثير من الرجال وكذلك لك أن ترى فروسية ونبلاً لدى الكثيرات وقد يكن من البسيطات واللواتي يمتهن ابسط المهن في وقت لا تجد فيه أدنى درجات الالتزام لدى من يعنيهم الأمر من الرجال في وقت تتطلب مواقعهم أن يتمتعوا بقدر من الفروسية ونبل أخلاقها.

كل هذه الأفكار وغيرها انهالت عليّ وأنا أراقب الحاجة فوزية كاظم، وهي في مقابلة تلفزيونية شجاعة، عجز عنها فطاحل المسؤولين في الجهاز الذي تشتغل فيه هذه السيدة الفاضلة.

في البدء دعوني احكي لكم بعيداً عن السرد العاطفي قضية 30 موظفة من صغار ومتوسطي الجهاز الإداري في البنك المركزي ممن ألقت السلطات القبض عليهم إثر مداهمات ليلية مرعبة من قبل قوات خاصة عملت على اقتيادهن إلى جهات غير معروفة بحجة السؤال عن بعض المعلومات؟! ولم يعلم احد إلى أين تم اقتياد هؤلاء النسوة، ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يسفر عنه مثل هذا الأمر من آثار نفسية واجتماعية وأخلاقية في ظل مجتمع شرقي متزمت ظاهرا ومنفلت من الضوابط باطنا. تجلس فتسمع تلك طلّقها زوجها وتلك فسخت خطبتها "وهذه نماذج على مفهوم مريض لرجولة مزيفة"، وغيرها من المآسي والقصص الحزينة...

حاولت اسر هؤلاء النساء استخدام كل السبل الإنسانية والقانونية لمعرفة مصير بناتها ولكنها لم تفلح حتى اعتصموا في ساحة الفردوس، وكالعادة لم يكترث لهم أحد، انبرت قلة قليلة من الجمعيات لمساعدتهم، ولكن لم يحصلوا على أية نتيجة!!!!

بادرت شخصيا للاتصال ببعض القيادات السياسية من "الصف الأول" إلا أنهم للأسف لم يتمكنوا من الوصول إلى مكان المعتقلات ولا إلى تحقيق أية نتيجة تذكر فكانت تصلني الأخبار تباعا مشفوعة بكلمات الاعتذار...

الظلم وانتهاك حقوق الإنسان لا يحملان هوية سياسية، ولا تحاولوا أن تعطوا الظلم صبغة طائفية أو قومية أو دينية فالظلم هو الظلم .....

في إحدى الاماسي ومن خلال إحدى الفضائيات أطلت السيدة فوزية كاظم معاون مدير عام في البنك المركزي وأدلت بحديث لا تنقصه الصراحة وتحفه الشجاعة: كانت موضوعية وصادقة تكلمت بكل التفاصيل وفضحت كثيرا من الخروقات ، ما يهمنا هنا أنها بفضحها لملفات الفساد استطاعت أن تشكل ضغطا على الجهات ذات العلاقة فأطلق سراح السيدات المعتقلات بكفالة ...

وقد لا تتصورون مدى سعادتي إلا أنني واقسم باني لا اعرف أي سيدة من هؤلاء الـ30 المعتقلات أحسست أن السيدة فوزية تخرجني وتتكلم عن ظلامتي الشخصية..... سادتي إنها ظلامتنا جميعا أن تنتهك الحقوق ونسكت واعلموا أن من يسكت اليوم سينتهك حقه غدا ويسكت العالم اجمع أمام ظلامته ... انه الزمن الذي يدور ولا تملك أن توقفه، وهذا ديدن الحياة ونمطها الأزلي

شجاعة فوزية كاظم، شجاعة تليق بالفرسان في وقت شحّت فيه الفروسية والرجولة...

وإياكِ أعني فاسمعي يا جارة