طوبوغرافيا العراق .. وحروب المستقبل بين دويلات – المدن !! |
لكي نعطي تصورا"أوليا"عما سيكون عليه حال المجتمع العراقي ، فيما لو رجّح خيار التقسيم الثلاثي على أسس قومية / عرقية ودينية / طائفية ، فإننا ملزمين باللجوء إلى مصطلح (الطوبوغرافيا) الذي يعد من المصطلحات المهمة في علم الجغرافيا ، وذلك لاعتقادنا انه يوضح طبيعة تضاريس الخارطة العراقية من منظور ايكولوجي – سوسيولوجي مشترك ، وأثر ذلك على نمط الصراعات والحروب بين دويلات - المدن المتوقع شروعها أثناء وبعد التقسيم ، وهو بالإضافة إلى ذلك يحيل في مدلوله إلى نظيره مصطلح (الجيوبولتيكا) ، حيث قيمة الأرض تقاس بمدى أهميتها السياسية والإستراتيجية للدولة / الأمة . بمعنى انه (= الطوبوغرافيا) يعكس الكيفية التي من خلالها يتوزع سكان العراق ضمن هذا الحيّز المكاني المحدد ، مع الأخذ بنظر الاعتبار نمط العلاقات الاجتماعية المتوقع تبلورها ، بالاستناد إلى نوع الثروات الطبيعية - الظاهرة والكامنة - وحجمها في إطار ذلك الحيّز . بداية إنه من مفارقات الطوبوغرافيا العراقية إن أمنا الطبيعة تواطأت مع الجغرافيا ضد المجتمع ، بمعنى إن توزيع مصادر الثروة الطبيعية على نمط الانتشار الديموغرافي / السكاني لم يكن منصفا"، بحيث ينال كل مكون من مكونات هذا المجتمع حصته العادلة من تلك الثروات ، وبالتالي تحقيق الاكتفاء الذاتي المتوازن بين تلك المكونات بما يضمن تفاعلها الاجتماعي وتواصلها الإنساني ، دون مشاكل سياسية أو عقبات اقتصادية . والواقع إن الحديث عن هذه المسألة بهذه الطريقة سيكون مدعاة للسخرية فيما لو كان الأمر متعلق بمجتمع يستظل بحماية دولة مركزية ذات سلطة مهابة ، تكفل للجميع حق التمتع يتلك الثروات على قدم المساواة بلا ضغائن ولا تشاحن ، ليس فقط بموجب الأنظمة والقوانين التي تسنها وتشرعها لحمية المصالح وصون الحقوق فحسب ، وإنما كذلك استنادا"طبيعتها المؤسسية والسيادية على كامل التراب الوطني ، دون أن تضع باعتبارها خصائص مواطنيها القومية / الاثنية ، والدينية / الطائفية ، والثقافية / الرمزية . بيد إن الوضعية ستأخذ منحا"مغايرا"حالما تظهر بوادر تفكك الدولة وتشظي المجتمع ، حينذاك يغدو تناول هذه القضايا من الأمور البديهية ، إن لم تكن ضرورة من الضرورات المصيرية . والحال إذا ما تأملنا توزيع مكونات المجتمع العراقي على ضوء تضاريس الخارطة الجغرافية ، سنلاحظ إن (المكون الكردي) اعتزل في الإقليم الشمالي ، وان (المكون العربي – الشيعي) استقر في الإقليم الجنوبي ، وان (المكون العربي- السني) اتخذ من الإقليم الغربي مستقرا"له – هناك بطبيعة الحال بعض الاستثناءات التي لا تخل بالقاعدة الطبوغرافية المذكورة ، من حيث تواجد جماعات كردية في الأقاليم الأخرى أو بالعكس تواجد جماعات عربية في الإقليم الشمالي – وبموازاة هذا التقسيم الجغرافي للسكان نجد إن توزيع مصادر الثروة الطبيعية اتجه صوب التركز في مناطق دون أخرى ، وتنوع في جهات دون غيرها ، بحيث إن البعض من تلك المكونات تمتع بأكثر من مصدر واحد من مصادر الثروة الطبيعية ، في حين حرم منها بشكل شبه تام البعض الآخر أو لم يحصل إلاّ على النزر اليسير منها . وهكذا ففيما كانت الطبيعة سخية وكريمة مع الإقليم الشمالي ؛ لجهة امتلاك (المكون الكردي) ليس فقط مصدر مهم من مصادر الثروة المائية في العراق – منابع نهر دجلة تأتي في معظمها من الإقليم الشمالي – بل وجزء لا يستهان به من مصادر الثروة النفطية – خصوصا"بعد السيطرة على حقول كركوك واحتمال حقول نفط خانة أيضا"- هذا بالإضافة إلى حيازتهم مصادر متنوعة من الثروة النباتية وخصوصية جغرافية جعلت من الإقليم عامل جذب للسياحة والاصطياف ، ناهيك بالطبع عن تحكمه بطرق التجارة الخارجية مع دول القوس الممتد من الشرق الإيراني إلى الغرب السوري مرورا"بالشمال التركي . وفيما يتعلق بنصيب الإقليم الجنوبي من مصادر الثروة الطبيعية ، فان حصة (المكون العربي – الشيعي) من الثروة النفطية تكاد تشكل حصة الأسد ، لاسيما وانه يضم حقول الرميلة في البصرة وحقول مجنون في ميسان ، التي تعتبر المساهم الأكبر في إيرادات الخزينة العراقية من العملة الصعبة ،هذا بالإضافة إلى تمتع الإقليم بمنفذ بحري مهم عبر شط العرب ، حيث يلعب دورا"حيويا"في تجارة العراق الخارجية عبر المحيطات ، فضلا"عن موقعه الجيويولتيكي المطل على دول الخليج العربي وإيران . وعلى الرغم من هذه الامتيازات الطبيعية والجغرافية التي يتمتع بها الإقليم الجنوبي إلاّ انه يعاني من شحة ملحوظة في مصادر الثروة المائية ، التي يمكن الاعتماد عليها لتأمين احتياجات المكون (العربي – الشيعي) منها ، لاسيما وان معظم موارده المائية تأتي من خارج حدود الإقليم ، الأمر الذي يشكل تهديدا"مؤرقا"لسكان الإقليم الذين يزاول معظمهم مهنة الزراعة منذ مئات السنين ، خصوصا"في حالة حصول أية مشاكل مع جارتيه المقبلتين دولتي الإقليم الشمالي والغربي ، وليست بعيدة معاناة أهل هذا الإقليم حينما عمدت إيران إلى تحويل |