على بغداد احترام إرادة الشعب الكوردستاني بعد الأستفتاء

قبل ايام طرح الرئيس مسعود البارزاني دعوة للاستعداد لإجراء استفتاء على حق تقرير المصير ، ففي خطاب له في البرلمان الكوردستاني قال :
إن كوردستان لا تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بأي شكل من الأشكال، وان المتسببين هم من يجب أن يتحملوا المسؤولية، وانه اليوم أتيحت فرصة سانحة للشعب الكوردستاني ليقرر مصيره بنفسه، وهذا حق دستوري ويكفله الدستور العراقي حيث جاء فيه إن الالتزام بهذا الدستور يضمن وحدة العراق.
وقد طالب الرئيس بارزاني خلال كلمته الإسراع في المصادقة على مشروع قانون المفوضية العامة المستقلة للانتخابات في كوردستان وتشكيل الهيئة وأن يستعد البرلمان الكوردستاني لمستلزمات إجراء الاستفتاء حول تقرير المصير.

بعد هذه المقدمة يتعين ان نقول ان الأكراد مثل باقي شعوب المنطقة والعالم لهم حق تقرير المصير ، ولهم حق تكوين دولة او دولهم القومية على امتداد وطنهم التاريخي إن كان في العراق او تركيا او ايران او حتى سورية ، وإن كان العرب يعتقدون بأنهم ضحية اتفاقيات سايكس ـ بيكو المبرمة عام 1916 فإن باقي المكونات يشعرون بهذا التهميش ومنهم الأكراد الذين انقسموا في الكيانات السياسية الناجمة عن تلك الأتفاقيات .
ان الحرب التي اندلعت عام 1914 اطلق عليها الحرب العالمية الأولى لتوسع مساحة الحرب ولكثرة عدد الدول المتورطة فيها حيث بلغ عدد الدول المشاركة في الحرب من مختلف القارات 30 دولة صغيرة وكبيرة ، وكان من نتائجها سقوط امم وقيام امم ،فمثلاً انهارت الأمبراطورية العثمانية ( الرجل المريض ) ، وظهرت فكرة القومية العربية ذات النزعة الأستقلالية لتحل محل الرابطة الإسلامية في زمن سلاطين الدولة العثمانية ، ومن المعطيات الأخرى اكتشاف النفط في المنطقة ومعرفة اهميته في الثورة الصناعية ، فرسمت ملامح جديدة للمنطقة ، وكان ذلك جلياً في معاهدة سايكس بيكو الآنفة الذكر ، حيث جرى تقسيم المنطقة بمقياس مصالح الدول المنتصرة وفي مقدمتها بريطانيا العظمى وفرنسا .
القوميات الأخرى شعرت بالغبن والتهميش وفي المقدمة الشعب الكوردي ، حيث ضغط ليكون له موطئ قدم بعد الحرب وفي عام 1920 كانت هنالك معاهدة ابرمت في ضاحية سيفر القريبة من باريس عرفت بمعاهدة سيفر ومن بين مواد هذه المعاهدة كانت مواد 62 و63 و64 على حقوق الشعب الكوردي وحقوق الأقليات القومية الأخرى ومنها حقوق شعبنا الكلداني ، حيث ورد في المادة 62 :
تتولى هيئة تتخذ مقرها في استنبول مكونة من ثلاثة اعضاء تعينهم حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وأيطاليا للتحضير اثناء الأشهر الستة الأولى التي تعقب تنفيذ هذه الأتفاقية ، لوضع خطة لمنح حكم ذاتي على المناطق التي تسكنها غالبية من الأكراد والتي تقع في شرق الفرات والى جنوب الحدود الأرمنية التي تحدد فيما بعد ... وينبغي ان توفر الخطة ضمانة كاملة لحماية الآشوريين والكلدانيين والجماعات العراقية او او الدينية الأخرى في المنطقة ..الخ .
بعد سقوط النظام في نيسان 2003 استجدت ظروف بجهة التقسيم الطائفي وتردي الأوضاع الأمنية ، ورغم ما خصص لهذا الجانب من مليارات الدولارات من ميزانية الدولة العراقية بهدف إنشاء جيش عراقي وقوات امن تحافظ على كيان العراق خارجياً وداخلياً ، لكن يبدو ان البناء شيد على اسس طائفية ولهذا لم تثمر كل تلك المبالغ في تأسيس مؤسسة عسكرية مهنية مخلصة لمفهوم الوطن العراقي ، وقد شاهدنا كيف انهارت دفاعات الجيش العراقي في الموصل المدينة العراقية الثانية بعد العاصمة ، كيف انهارت وسلمت لقوات داعش دون إطلاق طلقة واحدة .
المهم في الظروف المستجدة بعد سقوط الموصل ومدن اخرى ، طفت على السطح وبشكل جدي مسألة الأستفتاء الشعبي في اقليم كوردستان . الملاحظ ان الأكراد متعلقين جداً بالرابطة القومية الكوردية ، وبنظري فإن حدث استفتاء حول الأستقلال ستكون ثمة نتيجة كاسحة في صالح تقرير المصير ، وإن الأرتهان على اختراق الأكراد وإن تعددت وجهات النظر لديهم ووجود بعض الفروقات في المواقف بين اربيل والسليمانية ، ففي المسألة المصيرية القومية لا خلاف حولها .
من المؤكد ان القيادة الكوردية لها تصورات واقعية على حجم الصعوبات التي تعتري طريق تأسيس مثل هذا الكيان ، ومن زمن القائد الكوردي المعاصر ملا مصطفى البارزاني كانت المنطقة تسير وفق مصالح وألاعيب الأمم ، فجمهورية مهاباد التي كان البارزاني الأب احد ابطالها سنة 1946 فقد افل نجمها بسرعة بسبب لعبة الأمم يومذاك .
لا شك ان القيادة الكردية تقدر حجم العقبات والمصاعب التي تعتري سبيل اعلان الدولة الكوردية ، فالرغبة الجامحة للشعب الكوردي في الأستقلال ربما لا توازي الصعوبات الناجمة عن هذا الأعلان ، فاليوم كما في الأمس كانت الولايات المتحدة وتركيا وإيران والعراق هي العوامل المؤثرة في المنطقة وفي المسألة الكوردية على وجه الخصوص . ويمكن الإشارة الى بعض العوامل المؤثرة ولاشك ان القيادة الكوردستانية لها تصور لحجم تلك المؤثرات . ويمكن ملاحظة هذه الجوانب المؤثرة بشكل مباشر :
اولاً : ـ
موقف تركيا الرافض بشكل دائم لأي توجهات في إعلان الأستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد ، لأن نزعة الأستقلال هذه لو تمت في اقليم كوردستان سوف تشكل حافز لنقل العدوى الى 20 مليون كوردي في الدولة التركية الذين يسعون بشكل دائم لنيل حقوقهم ، وإقامة دولتهم القومية المنشودة كبقية شعوب المنطقة .
ومع ان تركيا شريك اقتصادي كبير والمستفيد الأول من اقليم كوردستان ، ورغم انها ( تركيا) ساعدت في تصدير بعض نفطهم ، لكن مع كل ذلك تعارض الأستقلال لانه يسبب تأجيج مشاعر الأستقلال لدى اكراد تركيا .
ثانياً : ـ
موقف أيران لا يقل اعتراضاً للعملية عن الأتراك ، فأكراد ايران يشكلون القومية الثالثة بعد الفرس والتركمان الأذاريين ، وكان للاكراد تجربة مريرة مع الفرس يوم قمعت جمهورية مهاباد الكوردية وعمرها 11 شهر وذلك سنة 1946 .
ثالثاً : انكماش الأقتصاد الكوردستاني في الآونة الأخيرة بسبب التلكؤ في دفع رواتب موظفي الخدمات المدنية بعد توقف بغداد عن صرف المدفوعات الى حكومة الأقليم ، مع صعوبات بيع النفط في الأسواق الدولية بسبب ضغوطات الولايات المتحدة وتهديدات بغداد بمقاضاة اي مشتري يشتري النفط دون تصريح من الحكومة العراقية .
اليوم تعاني كوردستان من ازمة في مخزون البنزين واقتضى ذلك ترشيد الأستهلاك فكان الوقوف لساعات طويلة للتزود بالوقود والسبب الرئيسي يعود الى العجز في تكرير النفط في الداخل للاستخدام المحلي ، وكان يجب الأنتباه لهذه الناحية ، حيث ان الأنتاج الصناعي لا سيما في مجال مشتقات النفط وفي الصناعات البتروكيمائية المهمة ، وهذا الجانب هو اهم من الأهتمام بالبناء العمراني الذي لا يشكل اهمية كبيرة في مسالة الأكتفاء الذاتي .
رابعاً :ـ
العلاقة مع المركز : ويمكن اختصار هذه العراق بأن اقليم كوردستان هو جزء من العراق الأتحادي ، ولهذا يترتب ان تكون هنالك حقوق وواجبات ، وللأقليم علاقات مع المركز يحددها الدستور ، ولكن في محطات كثيرة اعترى هذه العلاقات توترات ومشاكل ، اليوم ينبغي على الأقليم ان يختار رئيس جمهورية للعراق كوردي وهي حصة الأقليم من المناصب السيادية حيث جرى الأتفاق غير المكتوب ، ان يكون رئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني ورئيس الجمهورية كوردي ، وعليه ان يساهم في العملية العراقية .. الخ
لكن نلاحظ ان العراق ممزق ومقسم تحت شريعة القوة والسلاح ، ها هي خلافة الدولة الإسلامية تدخل بقوة على الخط وتفرض واقعاً ليس من السهل إزالته ، وكوردستان تحت ضغط الشعب الكوردستاني مطلوب لإجراء استفتاء شعبي يقرر مصير اقليم كوردستان . ويبدو ان هذا واقع تفرضه الظروف الموضوعية السائدة . وعليه من الحكمة اللجوء الى الخطوات السلمية ، بحيث تكون عملية الأستفتاء ونتائجها مقبولة من كافة الأطراف لا سيما جانب حكومة العراق الأتحادي .
لقد جرى في كانون الثاني ( يناير ) 2011 استفتاء لشعب جنوب السودان ، بهدف الأنفصال بدولة مستقلة عن السودان ، وكان تصويت الأغلبية لصالح الأنفصال ، وفعلاً جرى في وقتها احتفال كبير بهذه المناسبة بحضور ممثلين عن المؤسسات الدولية والأقليمية والأفريقية ، بالأضافة الى بان كي مون الأمين العام للامم المتحدة والرئيس السوداني عمر حسن البشير . وفي الحقيقة كان هذا القرار عين العقل ، فمن الأفضل ان يتم الأنفصال عن طريق التفاهم وبالطرق السلمية ، وأن تكون هناك علاقات وثيقة بعد الأنفصال ، فلماذا تسود علاقات المخاصمة والعداوة إن كان هذا قرار وإرادة الشعب الكوردي فينبغي ان تحترم هذه الإرادة ، اما وضع الأسقلال على اسس من العداوة لا شك ان الأستنزاف سيكون سيد الموقف للعراق ولإقليم كوردستان المستقل .
برأيي المتواضع انه يترتب على الحكومة العراقية ان تحل المسألة بندية وعدالة وتراعي رغبة الشعب الكوردستاني ، وان يتم الأستفتاء بموافقتها وتقبل بالنتيجة ، وأن يجري الأستقلال بالطرق الدبلوماسية دون إثارة اي خصومات او مواقف عدائية ، وأن تسود علاقة التعاون والأخوة بين الشعبين إن كان في حالة استقلال الأقليم او في ظل دولة عراقية مستقرة وديمقراطية وموحدة .