أزمات مفتعلة وأخرى متوقعة

تحاول الأوساط السياسية في العراق وبعد خروج مساحة تقدر بثلاثين بالمئة من مساحة العراق عن سيطرة ماتعرف مجاملة بالدولة العراقية تحاول بطريقة عبثية اجراء عمليات تجميل بخطابات باتت معروفة السياق في ديباجتها وامنياتها دون ماهو ملموس يسر السامع او الناظر. بعض المحاولات لعملية التجميل تمثل أزمة جديدة على أرض الواقع من خلال التصعيد المتبادل بين شركاء الأمس نبدأها من نوري المالكي حين يقول صراحة لقادة التحالف الكردستاني اوقفوا غرفة العمليات ويتهمهم بايواء داعش في أربيل. هذا الأتهام الخطير تبعه موقفين واضحين الأول تمثل بطلب من كتلة المواطن بزعامة عمار الحكيم من دولة القانون أن يقدم نوري المالكي أدلته الثبوتية والموقف الثاني اعتبار القيادة الكردية ان المالكي مصاب بحالة هستيرية في خطابه الأخير مماحدا بها الأيعاز الى ممثليها بالانسحاب من حكومته المنتهية صلاحياتها الدستورية. ومن خلال متابعتي لتصريحات أعضاء دولة القانون في وسائل الاعلام حين يتحدثون في برامج حوارية ألمس حالة من الهستيريا او الأنفعالية في أجوبتهم. فهناك فرق بين أن نقول أن القيادة الكردية في اقليم كردستان العراق ماكان ينبغي لهم أن يسمحوا لشخصيات معارضة للعملية السياسية وتتبنى أسلوب العنف المسلح والتحريض على العنف الطائفي ماكان لهم أن يسمحوا لهؤلاء من استغلال تواجدهم في مدينة أربيل باطلاق التصريحات المهددة للأمن والسلم الاجتماعي في العراق من خلال التهديد بالزحف الى العاصمة بغداد. بل أن أحدهم أخذ يستخدم ألفاظا سوقية من قبيل ( طز بيهم ) وهي صورة من ثقافة ومنطق من يسوقون أنفسهم ناطقين باسم سنٌة العراق. في نفس الوقت ماكان لنوري المالكي أن يقول أوقفوا غرفة العمليات واحتضان داعش في أربيل. كان على المالكي أن يكون أكثر جرأة مع نفسه ويقر أن ماحصل هو من يتحمل تبعاته حيث سوء الادارة بكل مرافقها المدنية والعسكرية. همٌة الرجال تكمن في ترفعها على مايثير قلق الأغلبية من العراقيين ويدق ناقوس الخطر الحقيقي بوحدة العراق، فسلطة وهمية لن يحصل منها الا الندم من يتعنت بموقفه أنه يملك الحق الدستوري في رئاسة الحكومة الجديدة هو نفس ذلك التعنت الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بعد أن فشل في ادارة الدولة المصرية. العراق أكبر من عناوين اي مرشح يعد محل خلاف لشركاء الوطن سواء حملوا السلاح أم الأقلام للمطالبة بعدم ترشحه لولاية ثالثة. لقد سمعنا كثيرا من وعود القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي وهو يتحدث عن انتصارات وبشارة نصر "ستزف الى الشعب في الغد وهاهي الاسلحة موجودة والسيخوي وصلت " ثم نرى الواقع مغاير لمايدعي جاء الغد ورحل مابعده والزمن يطول ودماء العراقيين تنزف دون نتائج ملموسة تتناسب ووعود المالكي. ان مكابرة بهذه الطريقة منه وممن يعملون في دائرته ستنتهي بهم الى طريق محفوف بمخاطر أكثر مما لو تنحى واعلن ان حماية العراق من التفكك والضياع هو أهم من الكتلة الاكبر او أصوات كتلته التي حصل عليها في الانتخابات والتي هي الأخرى مثار شك. هناك مسألة اود الاشارة لها تتعلق بالأزمات المتوقعة وهي تدخل في حسابات دولة تمارس المكر في سياستها كالادارة الامريكية، فهي تدعي في ظاهر الاعلام ان داعش تمثل خطرا على وحدة العراق وامن المنطقة ولابد من محاربتها في حين أن وجود جماعات متطرفة بحجم جرائم داعش وأفكارها في المنطقة يخدم في النتائج ستراتيجية السياسة الامريكية فلولا داعش لما سيطرح موضوع استقلال اقليم كردستان على استفتاء الشعب الكردي وقد قالها صراحة وزير الخارجية في مقابلة مع سي إن إن "من الواضح أن العراق يتجزأ. والوقت الآن متاح أمام الشعب الكردي لتقرير مستقبله، وسنقف مع ما يقرره الشعب". هذا التصريح يذكرنا بتصريح سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد زمن صدام حسين حين قالت ابان الأزمة مع الكويت ان بلادها لاتتدخل في الخلافات العربية العربية واعتبر حينها ذلك التصريح بالطعم او الفخ الذي وقع به صدام حسين واحتل الكويت.
بعد هذا التصريح لكيري جاءت تصريحات رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بشأن عرض موضوع استقلال كردستان على الشعب الكردي خصوصا وان مدينة كركوك النفطية قد أصبحت كأمر واقع بيد قوات البيشمركة الكردية. هذا الأمر كم من المتابعين على المستوى الرسمي في بغداد او الشعبي انتبهوا اليه؟ بالأضافة ان الأدارة الامريكية تعرف جيدا بحكم خبرائها في العراق ان نوري المالكي او بالتحديد حزب الدعوة لديه نزعة استبدادية في التفرد في السلطة وستكون لذلك نتائج خطيرة على مستقبل وحدة العراق ومع ذلك أصروا على بقاءه لولاية ثانية، بل أن هناك احجاما واضحا من قبل الشركات الأمريكية عن استثمار المشاريع التنموية في العراق. ان أشد مايؤلمني حقا هو حماقة السياسيين في العراق وهم يفكرون تفكيرا سطحيا وفق مخيلاتهم الواهمة لايحللون كيف تتعامل معهم الدول المعنية بسوق النفط العالمية . عبارة متواضعة أقولها مخلصا لنوري المالكي ارحل قبل أن تُرحٌل.