عن الحياد الحقيقي للمثقف العراقي |
الوقوف مع طائفة او قومية "الآخر" في بلدٍ مُمَزَّق مثل العراق أمرٌ نبيل ومحترم يكسر قاعدة الاصطفافات الطائفية، لكني اخشى ان يتحول هو الآخر الى انحياز واصطفاف من نوع جديد، نفقد معه قدرة التمييز بين الخطأ والصواب. بكلماتٍ أخرى، الوقوف مع "الآخر" دائماً وابداً وفي كل موقف له خوفاً من فوبيا الإتهام بالطائفية ومن اجل ان يظهر المرء (المثقف خصوصاً) معتدلاً ومتوازناً في نظر ذلك "الآخر" هو امرٌ سلبيٌ بحد ذاته، لأنه يضر بالبحث العلمي المحايد ويجعل هذا المثقف مدّاحاً للآخرين مثلما يفعل مَن يذمّهم وينتقدهم ليل نهار. الخاسر في هذه المعادلة البائسة هو النقد العلمي الذي ضاع بين التهليل "لهم" مهما فعلوا، وبين التبرير "لنا" مهما عملنا. صارت مهمة إعادة الاعتبار "للحياد الحقيقي" مهمةً صعبةً جداً في العراق، اذ لا يستطيع المثقف العراقي اليوم إنتقاد قادة طائفة واحدة ما لم يُلحِق معهم قادة الطائفة الاخرى، بحق وبغير حق. ونفس الشيء للقوميات المختلفة. فمثلاً، هل يستطيع المثقف العراقي إنتقاد السعودية دون ذكر ايران، او العكس؟ من هنا يجب مراجعة "الحيادية الحقيقية" لمواقف مثقفينا، فثمّة مواقف أراها تأتي لعلّة الظهور بمظهر الاعتدال والتوازن فقط، وليس الوقوف مع الصواب ضد الخطأ. مواقفٌ يذهب بعيداً اصحابها احياناً فيشتمون حتى "إنتماء" آبائهم لإقناع الآخر بمظهرهم المتوازن هذا. يا له من زمان! صُرْنا من حيث لا نشعر نمدح مَن يكسر قاعدة الاصطفاف الطائفي على حساب التحليل الموضوعي للأحداث.
|