وطنية عبد الكريم قاسم وأنانية كل من جاء بعده

ربما كنا نعيش زماناً فريداً لن يتكرر كُشفت فيه بلا رحمة أعماق هذه التراكيب الدينية الطائفية المضحكة حد الأغماء، وممثليها الكاريكاتوريين، وتهالكهم الذي لاسابق له على حكم بلاد هم غير جديرين حتى بأدارة مدرسة من مدارسها الابتدائية . زمان فريد صار المرء فيه يخجل من التصريح بانتماءه لبلاد يحكمها أناس منتخبون، لكنهم مخبولون بالزعامة، أنانيون ، بلداء، متحجرو الفكر، لايهمهم حتى إن زحف الحريق على بلاد من ورق، طالما كانوا هم متحصنين بخضرائهم التي تتوسط بلاد الورق ، محروسين بسفارة امريكا العجيبة المكتفية ذاتياً لسبع سنين!
نوري المالكي هذا ، المنسي المهمل الذي لم يكن يعرفه أحد قبل 2004 ، والذي كان أعلى مايطمح له مدير تربية في كربلاء، كسب مليون و200 الف صوت بعد 10 سنين .ليس في ذلك عجب ، شعبنا ونعرفه مثلما يعرف السائس خيوله ، ثلاثة ارباع اصوات المالكي اتته من الجنود والشرطة والاجهزة الأمنية التي احتكرها لنفسه والعشائر التي رشاها بقطع الاراضي والعطايا المستحصلة من مال الدولة . لصوصية هائلة على الطريقة الاسلامية ...هو يعرف ذلك ولايمكن أن ينكره والفيديو الذي يظهر به قاضيه محمد الحسن يغري الناس بالاراضي لكي يصوتوا للمالكي شاهد من بين الف شاهد، والمليارات التي وزعها على المتضررين وغير المتضررين من الفيضانات في حي الثورة شاهد آخر من بين ألف شاهد..ليس في ذلك شك فالكرسي وانتهازية وارتزاقية قطاع من العراقيين هما إذن من أتى للمالكي بالأصوات، واكبر الدلائل النظرية على ذلك إن لم تكف الواقعية ، مقارنته بسلفة من ذات الطينة الطائفية وذات الحزب ، ابراهيم الجعفري الذي ما ان أنزل من الكرسي حتى لم يتعد عتبة 10 الاف صوت رغم زعيقه ورطانته وفضائيته ...
ولكن مع كل ذلك، فالحقيقة تقول : لم ينتخب المالكي سوى 4% من مجموع العراقيين ، فهل يصح أن يعتبر المالكي نسبة 4% تفويضاً الهياً له ؟
اليوم نستذكر ثورة وقائداً فريداً مر على ثورته ست وخمسون سنة، عبد الكريم قاسم !
نعم ، عبد الكريم قاسم، و رغم كل ما يقال عن اخطاءه ونمط تفكيره العسكري، بنى هذا الوطني العراق، وحرر ثروته النفطية وحقق للبلاد خلال أربع سنين مالم يتحقق لها فيما بعد خلال أربعين سنة ، عسكري شجاع ومقتدر ساهم بالنضال في حرب فلسطين عام 1948 ، مات ولم يملك بيتاً، ولم يقرب قريباً او يمنحه وظيفة ، لم تكن الطائفة هماً من همومه، بل اراد العراق بالتصريح والفعل وطناً للجميع. ..ترى كم من الاصوات كان عبد الكريم قاسم سيحصد لو أجريت أنتخابات في ذلك الزمان حين خرجت ببغداد وحدها مظاهرة من مليون شخص كلها تصرخ عبد الكريم ؟
عبد الكريم قاسم هذا، لم يعط عبد الكريم قاسم يوم 8 شباط 1963 الناس الزاحفين لوزارة الدفاع سلاحاً لكي يدافعوا عنه، وخيب آمالهم لأنه لم يكن يريد نشوب حرب أهلية بسببه. هو يعرف ان أنصاره بالملايين، ويعرف أن خصومه أنذالاً وسوف لن يتوانوا عن قتله! حين سأل عبد الكريم قاسم خصومه الذين كانوا يحاصرونه في وزارة الدفاع : ما المطلوب؟ قالوا : أنت! سلم لهم نفسه لكي لايفرط بالشعب !
نوري المالكي يعرف ان المطلوب هو رحيله ، يعرف ان البلاد سائرة على طريق الضياع بسببه ، وأن أكثر من نصفها لم يعد عملياً ينتمي للبلاد، وأنها مقبله على هاوية سحيقة ، وان الحريق سيلتهم ماتبقى، سألهم: ماالمطلوب ؟
قالوا: إستقالتك، بعد ثمان سنين عجاف لم يحصد الناس خلالها سوى العلقم !
أجاب: لا أفهم ما تقولون!!
الف غابة ورد على ضريحك المجهول عبد الكريم قاسم!