لم نحترب كأبطال

لم يمر العراق بظرف سيء كالذي فيه نحن اليوم، ولم نفهم لعبة الديمقراطية كما ينبغي لنا، ذلك لأننا شعب نتاج دكتاتوريات طويلة، تراكمُ الاخطاء التي كانت تبدو في نظر البعض بسيطة جلبت لنا اخطاء قاتلات، وما كان انقساماً صار انقساماً وكراهية وتقاتلاً، أطراف اللعبة الكبار وفي دوامة تعاطفات قبلية ودينية وطائفية أساءوا لمشاريعنا في الحب والامن والسلام، ولأن المعركة مع داعش وحلفائها أكبر المتطلبات الآن فقد نرجئ البحث في العديد من مواطن الخلل، هنالك قضية أكبر تنتظرنا هو وطن يهدده الضياع، هنالك شعب ما عاد يهتدي لنهاياته وخلاصه ، فقد حيكت القضية ضده بظلام، ولا وقت لاتهام احدٍ، مثلما لا وقت لصنع بطولات لأحد.
وما يعنينا كشعب اننا نجد الكثير من الممارسات التي صدّقنا قادتنا فيها حين قالوا إنها تقع في صميم قضيتنا، تنقلب على رؤوسنا اليوم، وما الخُطب التي كان يصبها نارا ورصاصا قادة و(أبطال) ساحات الاعتصام في الرمادي وسامراء والموصل بمختلفة بضررها كثيرا عن شعارات الحشود التي ظلت تسيّر في مناسبة وغير مناسبة في الطرف الاخر، وما الاستعراضات والشعارات والجهود الأمنية والأنفاق في المال والطعام والشراب التي كانت تهدر وتبدد هناك وهنا إلا الشرر المتطاير من تلك النيران. وها نحن نجني ثمار اليافطات التي ظلت ترفع في الساحتين طوال السنوات الماضية، وها هي داعش ومعها الساقطون من أعضاء حزب البعث في المناطق المحتدمة سياسيا وطائفيا تستثمر ذلك.
لعبة الكراسي التي لم يحسن سياسيونا تنسيقها بشكل نهائي حتى اللحظة هذه تجعل من حياتنا على كف أكثر من عفريت، وما يتساقط من أقوال الكبار في بغداد وأربيل ومدن اخرى يعمّق من هوّة ما نحاول ترتيبه. قائمة الخلاف تطول وتقصر بحسب مزاج المتغير والمتحقق في الشارع، وقد فقدنا ثقتنا بمجموعة المستشارين، حيث لا أحد يسمع النصح والمشورة. أخطاء كثيرة وقع فيها سياسيونا، ولم يتمكنوا من إصلاحها، ذلك لأنهم انصاعوا وانقادوا لعواطف جمهورهم. يؤسفنا الاعتراض على بيت الرصافي الشهير الذي قاله مستنكرا على الانجليز فكرة الوصاية قبل أن يصار إلى تأسيس الدولة العراقية :( يفرضون على العراق وصاية----- عجبا فهل أبناؤه أيتامُ.) ؟ ما يحدث على الساحة العراقية يعيدنا إلى التفكير بأهمية أن يصغي السياسي العراقي أكثر مما يقول، وأن لا ينقاد لعواطف جمهوره. قديما قال نقاد الأدب : الجمهور مضلل. والقاصرون كثر من حولنا .
واهم جداً ذلك السياسي الذي يفكر بحلول سياسية-عسكرية لحل قضية الأمن وحرب الاستيلاءات على المدن حتى لو أننا جمعنا الحشود والبنادق وحققنا النصر وهزمنا داعش والمسلحين معها، كذلك الحال بالنسبة للأطراف المسلحة التي تقودها حيث يفكرون بتطويق بغداد وهدِّ المراقد، لا، لن يكون خلاصنا في حزمة انتصارات على الأرض، مهما بدت مهمة وضرورية، لن تضع العبوات والسيارات المفخخة وأكوام الجثث وحرق العجلات وتهديم المساكن وحفر الخنادق حلولا نهائية لمأساتنا، فقضيتنا أعمق واكبر من ذلك بكثير، وإذا كانت داعش واخواتها لا تفهم المنطق هذا فعلى اهلنا في الموصل وديالى والرمادي وكركوك ومدن الوسط والجنوب مجتمعين أن يعوا القضية الأبعد من ذلك. أننا، مع معشر المتحاربين جميعاً إنما نورث بنادقنا لأجيالنا القادمة. وأن مساحة الدم التي اتسعت حولنا لن تجلب الحلوى لطفالنا.
إذا كان سكان الموصل والمدن التي سقطت بيد داعش والمسلحين أسارى استيائهم أو كانوا في حيرة من أمرهم اليوم، وهذا ما هو واضح من خلال ما يردنا من أخبار هناك، فسيأتي الغد الحقيقي، الغد الذي سيقول فيه أبناؤنا إن أهلينا لم يحتربوا كأبطال تاريخيين إنما احتربوا كطوائف مهزومة، لم يعملوا على تأسيس دولتهم، لا بل هم الايتام والقاصرون حقّاً.