ومرت العاصفة بتناغم سياسي مريب فالجميع تحدث في جلسة النواب الثانية عن أهمية الحوار و المشاورات للاتفاق على شكل الحكم الجديد في العراق، حتى تخيل المرء وقوع المحظور بالاتفاق على انهاء التوتر الأمني و الطائفي ، ليجد المرء نفسه من جديد في المكان الخطأ لأن النواب لم يفكروا اصلا بهذا الملف ، وأنهم تحملوا عناء الوصول الى " البيت الثمين" لاعتبارات اخرى فيها من الكسب المادي ما يفوق عشرات المرات التفكير بويلات البلاد و العباد، خاصة و أن الغالبية العظمى من " الضيوف" الجدد ركبوا موجة الطائفية للوصول الى قبة البرلمان!!
وبعد انتهاء الجلسة التي لم تستغرق سوى 25 دقيقة ، فيما العراق يشتعل و الدم تحول الى شريان أبهر طويل جدا، وأن الحضور المكثف للنواب لا علاقة له بما يجري من قتل و تهجير و ذبح على الهوية و انهيار متواصل لهيبة مؤسسات الدولة، اما المال العام فليس من بين الأولويات بدليل أن 25 دقيقة من حضور " الصمت" كلفت ميزانية العراق 20 مليون دولار، حسب قراءات المختصين.
لم يتحدث أي نائب جديد بكلمة، ربما لأنه لم يدرس فن الأتكيت و نقاط النظام و الحل و الربط المفروض على الكتل، ومع هذا لم يخرج من المولد بلا حمص، بل عاد الى آهله مزهوا بسيارت الحماية و المرافقين و مفردات" استاذ.. سيادة النائب ..جنابكم" وغيرها من علامات التبجيل في غير محلها التي تعبر عن " جوع" في الوجاهة!!
لقد تفاجا العراقيون و المتابعون حضور غالبية النواب الى جلسة الأحد ، واستبشروا خيرا بتنامي الشعور الوطني قبل أن تصيبهم خيبة الأمل بمقتل، وسط ذهول مخيف فالحضور سببه هو حصول النائب على راتب و مخصصات دفعة واحدة، ما قد يحوول دون عودته الى النواب سريعا، حيث سينشغل لبعض الوقت بترتيب الحال وبناء علاقات " المصلحة السنوية"، ما قد يفقد جلسة الثلاثاء بريقها المالي و السياسي ، فيما شعب العراق تطحنه آلة الحرب و خرا ب نفوس السياسيين، في واحدة من مفارقات العراق الاستثنائية جدا، شعب يسحق و مسؤولون يزدادون ترفا على جماجم الأبرياء و قوافل المهجرين و النازحين بلا دمعة حزن أو خجل و حياء!!
جلسة البرلمان الثانية ، وحسب احصائيات المختصين، ستكون استثنائية بامتياز فالنواب حضروا للحصول على " حقوق مالية مكتسبة"، فليس من العجب أن تكلف جلسة النواب الثانية ميزانية العراق 20 مليون دولار رغم انها لم تستغرق سوى 25 دقيقة، حيث حصل النواب على رواتب شهرية على اعتبار انه تمت المصادقة على اسمائهم قبل شهر، مقرونا ذلك بمخصصات تحسين الوضع الاجتماعي للنواب، اضافة الى سقف مفتوح من مميزات الحماية و مواكب السيارات و انتظار العقود المؤجلة بفعل العمليات العسكرية، اللهم الا اذا اكتشفنا مهنة رعاية وسقاية المتطوعين للقتل بسبب غياب حكمة العقلاء!!
ويبدو ان تجربة العراق " الديمقراطية بالأسم" هي وبال على الشعب وموارد الدولة فكل شيء قابل للمضاربة باستثناء الخوف على وحدة البلاد و العباد، لذلك تتواصل الأزمات و تتشظى الحلول ليبقى التأجيل سيد الموقف اضافة الى فلسفة حكم الوكالة، فاغلب الوزارت تدار بهذه الطريقة مثلما هو حال المؤسسات الخدمية، بينما أدخلت الأزمة بين ائتلاف دولة القانون و الكردستاني العراق في موسوعة
" غينيتس" في الفشل الاداري و الفساد المالي، حيث من المفترض ان يتم تدريسها في أكثر دول العالم فشلا، فالتحالفات ملغومة و الشراكة مفقودة و الاتفاق على مصلحة العراق يمثل غباءا بالنسبة لسياسي الزمن المؤجل في العراق، فهل ننتظر انفراجا أم كوارث اضافية، يبدو أننا نقترب من الحالة الثانية باستنساخ نفس الوجوه لكن بعناوين مختلفة تقود جميعها الى خيبة الأمل!! لذلك لن ينهض العراق الا بعد تمزيق رحم الاحتلال و مواليد تواريخه المشوهة !!