الزواج ذلك الرباط المقدس ، الذي ينقل الانسان من الوجود الى الإيجاد ، فيجعله مفصلا في حركة البشرية . حيث يدور الوجود الإمكاني على آلية الثنائية والزوجية ، كظاهرة طبيعية .
لقد عبّر القران الكريم عن بعض صور هذه الثنائية في عدة آيات ، مثل (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) و ( فاطر السماوات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) و ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ و ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ و ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ و ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ و ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ، وغيرها من الآيات القرانية التي تناولت مفهوم الزوجية .
وإذا شئتُ الاستعارة من اختصاصي الكيميائي ، فيمكن تشبيه كينونة الانسان قبل وبعد الزواج بالذرة والجزيئة . فالذرة عندما تكون مفردة تتمتع بطاقة خطرة غير موجهة ، كما انها - طبيعيا - غير منتجة لعنصر تنتفع منه الكائنات الحية ، لكنّ الذرة حينما تدخل في عالم الثنائية فتشكل الجزيئة - وهي التي تتكون من اتحاد ذرتين فاكثر - ستعطي شكلا مميزا لعنصر ما من عناصر الطبيعة ، فتعود الذرات لحالة الاستقرار والوجود الإنتاجي النافع . كذلك يكون حال الانسان قبل وبعد الزواج .
كانت الحياة الزوجية في الماضي اكثر استقرارا منها الان ، لأسباب تتعلق بالتغيرات المجتمعية والحضارية ووسائل التواصل ، لكنها اليوم تعاني من عدة ظواهر ، تسير بها نحو حافة الهاوية ، وتجعلها في سخونة كيميائية ، تتسبب بانفصال الأواصر الربانية ، وبالتالي انفصام عرى الزوجية ، ومن ثم الانهيار المجتمعي .
وللزوجين أثرهما في هذا القلق الأسري . فأحيانا يكون للرجل الأثر السلبي ، وأحيانا اخرى تكون المرأة هي الدافع باتجاه الانهيار ، وفي الحالات الأخطر يكون لكلا الطرفين اثره السيء .
يعاني مجتمعنا العراقي - باعتباره احد المجتمعات الشرقية ووليد التكوينات القبلية - الأبعاد الدكتاتورية للرجل في الاسرة ، خصوصا حين يفقد هذا البعد خارج المنزل ، لذلك يفرغ شحنته الذكورية الشرقية - خطأً - في بيته ، ويصبها على أمانته من الضعفاء واسراء سلطته . ولما كانت المرأة العراقية قوية الشخصية في الأساس ، ومن ثم تقدمت حضاريا ، وشهدت بناءً كبيرا لشخصيتها ، حصل التصادم داخل الاسرة ، نتيجة الإفراغ الخاطئ والاستقبال السيء من الطرفين .
وفي احيان اخرى تتلاعب بالرجل تشعباته الهوائية ونزواته وتكويناته البيئوية ، فيتحول الى عدة صور متناقضة ومتضاربة وغير مفهومة ، مما ينعكس على أسرته ، وفي المقدمة الزوجة ، التي ستعاني حسب قدرتها الاستيعابية وثقافتها ، حيث في الغالب تكون المرأة غير مهيأة لهذا ألكم والنوع من الأمواج المتلاطمة لظلمات رجل ما .
واليوم - وسط هذه الفوضى الأخلاقية والاندفاع البهيمي - توفرت للرجل فرص تعويض الحرمان والكبت ، الذي انعكس عن ماضي العراق الصعب ، من حيث الصورة والصوت ، فلجأ الكثيرون الى ( قوانين الغابة ) واستغلال الانفلات ، الناشئ عن التصارع المادي والتسابق الدنيوي ، عبر كل الآليات التلاعبية المتوفرة بين أيديهم ، ومهما كانت الخسائر المادية ، فضلا عن المعنوية . ولا نحتاج القول ان كل ذلك سينعكس على المرأة الزوجة ، وعلى الاسرة عموما . وهذا الانعكاس السلبي قد يكون ماديا ، او عاطفياً - وهو الأخطر واقعا - ، وفي اغلب الأحيان يكون انعكاسا مزدوجا ، مما يجعل الزوجة محصورة في خيارات أحلاها مرّ .
ومع تحسن الوضع الاقتصادي للمجتمع ، وتوجه الفرد نحو الارتقاء في الشكل والمضمون ، وإدخال وسائل الاعلام الفضائية صورا جديدة لمجتمعات اخرى ، صار الكثير من الرجال - والنساء - يحاولون اغتنام شيء من حاضر جديد ، يساير الموجود من ( وجوه وصور محسّنة ) ، توازن بعض اثار الماضي ( القهري ) . وربما يكون للبعض ( عذره ) فيما يسعى ، الا ان الكثيرين لم يكونوا الا عقولا ( رأسمالية ) مصطنعة ، تريد العيش بثقافة وسلوكيات ( استهلاكية ) ، حتى على مستوى شريك جديد لحياتهم . فيما كان بالإمكان العمل على تطوير الشريك ، الذي تحمل سنين التعب ، والارتقاء به نحو فضاء أفضل ، ليكون - ربما - مشروعا بنائيا ، يفخر به صاحبه . ( هذا المقطع مضغوط جداً لأسباب أخلاقية ) .
وقد خلقت هذه الثقافة ( البصرية والاتكيتية ) الجديدة ما خلقت من هزات اجتماعية ، انعكست على اجواء الاسرة ، وعملت على شحنها عاطفياً بصورة سلبية . ومن مظاهرها الغريبة ( تميّع ) الرجال ، و ( لا وعي ) المرأة .
وحتى لا نحمّل الرجال وزر النوايا السيئة دائماً ، يمكننا استعراض بعض الظواهر الرجالية القهرية ، لكنها في ذات الوقت مربكة للوضع الأسري ، وقد تنفعنا بعض التصويرات الواقعية لسلوكيات أسرية تحتاج الى مراجعة في مقاربة الفكرة . ومن ذلك ان بعض الرجال العاملين الكادحين - أعانهم الله - يستمرون في العمل من الصباح الباكر حتى المساء ، وقد يذهبون مساءً في سهرات خاصة مع الأصدقاء والمعارف ، والأنكى في المقاهي ، للتنفيس عن التعب والإجهاد ، ومن ثم يعودون متأخرين الى منازلهم ، مجهدين ، كل الذي يفكرون به قسط من النوم ، يوازن حاجة أجسامهم المتعبة ، فيما تكون الزوجة بانتظار حضورهم ورعايتهم وعاطفتهم ، لكنها لا تحظى بذلك في كثير من الأحيان لما ذكرناه ، وربما يرتمي بعض الرجال في فراشهم دون الاهتمام بمظهرهم وحالتهم ، لما يعانون من شدة التعب ، فتكون الزوجة ضحية كل ذلك ، وهي الكيان الباحث عن العاطفة ، بايّ مستوى اجتماعي وثقافي كانت . ورغم ان اللامبالاة خطرة جداً على المرأة ، لكنّ الحل كان دائماً في متناول الرجل ، حيث يمكنه تخصيص بعض وقته ، ايام ، او ساعات ، او حتى كلمات ، انا متأكد انها ستنقل المرأة لعالم اخر .
ان الإهمال هو الداء الأخطر الذي يتسبب في انهيار مقومات الدفاع والثبات لدى المرأة ، فهي كيان قائم على أسس عاطفية ، لأسباب طبيعية ، تلعب الكلمة دورا كبيرا في بنائها ، لذلك هي تنتظر من شريك حياتها الاهتمام الدائم والكلمات المادحة ، ويمكننا - مجازاً وفي استعارة فنية - القول ان حياتها تقوم على الاستعراض ، بانتظار تصفيق الجمهور ، والإعجاب بما تقوم به من فنون داخل الاسرة ، او في مسرح حياة الزوج . لكن - للأسف - تفتقد حياتها في كثير من الأحيان لما تنتظره ، لأسباب متعددة ، كالكِبر او الانشغال او الرؤى الخاصة بعقلية الرجل ، مما يجعلها تصاب بخيبة أمل كبيرة ، تدفعها - في بعض الأحيان - للتفاعل مع كلمات واعجابات من خارج المنظومة ، لموازنة حاجاتها النفسية والعاطفية .
ويعمد بعض الرجال احيانا الى ادخال زوجاتهم في عالم المقارنات مع نساء أخريات ، مما يتسبب في إيجاد شرخ نفسي كبير ، والآثار النفسية والعاطفية الإيجابية او السلبية - غالبا - تبقى طويلا داخل قلب وعقل المرأة ، وربما تعيش معها كلمة واحدة عمرا . فيما يكون الأفضل هو التعامل المتوازن في معالجة اختلالات المرأة - في حال وجودها - ، عبر تغيير لغة التعامل معها وتعزيز عوامل النجاح فيها .
احد الرجال - ربما - يجعله قدح من الماء فرعونا في خطابه مع الزوجة ، حيث تنتقل أفكاره باتجاه المبدأية ، وتصور الزوجة في حالٍ عدائية ، رغم انه يستطيع علاج الموقف بابتسامة لا تكلفه شيئا . القضية كلها في لهجة الخطاب .
تعيش المرأة هي الاخرى مجموعة من التوجهات والسلوكيات الخطرة ، والتي تساهم في هدم الاسرة . فالكثير من النساء يعيشون الحياة المادية الصرفة ، حتى أنّ بعضهن أصبحن فارغات من عالم المعنى ومن العاطفة ، مما يجعلهن يضغطن على أزواجهن بصورة مفرطة الغباء ، حيث تساهم التنافسية والغيرة داخل عالمهن في إصابة بعضهن بالهستيريا المادية ، وحينها يغيب العقل ، المقنن للعاطفة ، فتبدأ العاطفة بالهياج دون ضابط ، باتجاه حاجات مادية ، وبالتالي اخضاع الرجل لخسارتين ، العاطفة والمادة .
وقد تستثير المرأة زوجها بمقارنته مع ما يبذله رجال اخرون ، فيدفعه ذلك بأحد اتجاهين ، اما الإجهاد لتوفير الحاجات التي تحسّن صورته في تلك المقارنات ، او النفور .
ونساء كثيرات لا يحدث الارتباط بهن فرقا في حياة الرجل ، حيث يعيش الفوضى باجلى صورها ، وربما يكون الزواج أشد عليه من حياته السابقة . وقد يتأتى ذلك من كون هؤلاء النسوة باردات ، او كسولات ، او فوضويات ، او ربما لا عقل ناضج لهن أصلا .
فيما تعيش المرأة احيانا بأسلوب رجل ، يشعر معها الزوج انه يخاطب اخاه ، تبني كيانها على التحدي ، ويكون خطابها قائما على الإنجاز ( الصوتي ) ، فيما تفتقر لما يوازن بعض ذلك على الأقل ، من حيث الإنجاز العملي .
دخل التأثير التلفزي - الدرامي او البرامجي الموجه او غير الموجه - بصورة مطردة في حياة المرأة ، فترك أثرا واضحا خلال السنوات الاخيرة ، على السلوكيات والاعتقادات وطريقة الحياة . وكان لهذا التأثير دور سلبي في كثير من الأحيان - ولعله مقصود - على توجهات النساء ، حتى ان الكثير منهن لم يعدن يدركن ابعاد شخصيتهن الواقعية ، فضلا عن ان يدركها الزوج ، فصرن يتخبطن ، ويذهبن بعيدا في سلوكيات سيئة غالبا ، تؤول الى ما لا يحمد عقباه ، فيعشن فترة تكون وزرا على ما يليها من حياة ، وبالتالي يهتز الاستقرار الأسري .
هناك الكثير من النساء اللاتي يجدن صعوبة في نطق الكلمات الرقيقة لدغدغة عواطف الرجل ، اعتقادا منهن ان ذلك من وظائفه هو وحده ، وان المرأة هي وحدها التي عليها انتظار تلك الكلمات ، لانها الكيان العاطفي في الاسرة ، غافلات عن حقيقة ان هذا ال ( شمشون ) سيعود صبيا محبا ببضع كلمات لطيفة .
ولعل اهم ما يزيح عن الرجل صدأ التعب والشد العصبي - والذي لا يمكن له إغفاله - هي تلك الابتسامة التي يراها على محيا زوجته ، عند عودته الى المنزل ، حيث يمكن لها ان تكون مركبة تنطلق بهمومه بعيدا .
اما المرأة العاملة فهي تعاني أبعادا اخطر في حياتها الزوجية ، لعدة اسباب . تتعلق هذه الأسباب بما تتعرض له من مضايقات واحتكاكات خارج المنزل ، وكذلك الإجهاد والنصب الذي لا يتناسب مع تكوينها الفسيولوجي والنفسي ، وغيابها عن وظيفتها المقدسة في تنشئة الأبناء وإعدادهم . وللأسف اصبح عمل المرأة من عوامل الجذب والرغبة لدى الرجال ، تحت تأثير الكسب المادي . وانا لست ضد عمل المرأة مطلقا ، بل هناك وظائف لا يمكن لغير المرأة القيام بها ، سيما في الصحة والتعليم . لكن ذلك لا يمنع ان وجود المرأة في الكثير من الوظائف هو إقحام فاشل وغير منطقي ، وأول ضحاياه هي ذاتها .
بات الكثير من الرجال عالة على زوجاتهم العاملات ، واللاتي يعمل بعضهن في عدة وظائف في آن واحد ، في ظاهرة غريبة ومستهجنة . ولو نظرنا لواقع الحال لرأينا ان الرجل في كثير من هذه الحالات لا يرى زوجته اكثر من ماكنة نقود ، ولا يهمه ما تتعرض له من ضغط واحتكاك خارج المنزل ، حيث اقتلع المال ما تبقى له من غيرة وحمية . ولعل بعض المحافظات العراقية بات من الغريب فيها والشاذ ان تكون المرأة غير عاملة . حتى وصل الامر - فيما نستطيع قوله - الى ان تناسى الكثير من النسوة لثوابت اجتماعية واسرية كثيرة ومهمة ، تحت وطأة التنافس والحاجة ، وكذلك الضغط اللاأخلاقي من قبل أرباب الاعمال ، فتلجأ الى قتل ذاتها وكينونتها .
وأحيانا يتسبب البذل الذي يقع على كاهل المرأة في زعزعة مفهوم القيمومة داخل الاسرة ، فتجد المرأة نفسها مضطرة لتغييب أنوثتها ، والعيش بصورة رجل ، كردة فعل تلقائية لتغير المفاهيم الأسرية . ومن الخطورة الكبيرة حينها ان تبحث المرأة عن أنوثتها بعيدا عن هذا الرجل .
وقد حاورت العديد من النساء العاملات ، وعلى مستويات وظيفية وثقافية مختلفة ، فوجدت ان ما يقارب ٩٥٪ منهن - واقصد من حاورت فقط وهن كثيرات - كنّ يتمنين ترك العمل والجلوس في البيت ، في حال وجدن رجلا غيورا ، قادرا على تحقيق الحد المعقول من الاكتفاء للأسرة . ولعلّ بعضهن كنّ رافضات لإقحام المرأة في دوامة العمل المضنية . فيما يقول بعضهن أنهن بقدر ما كن حريصات على اغتنام اي فرصة للتوظيف ، تحت شعارات تحقيق الذات ، فهن اليوم يستشعرن الحاجة الى الراحة ، وضرورة التخلص من الضغط الذي يولده الالتزام الوظيفي ، فضلا عن مشاكل الاحتكاك والتنافس . لكنّ الحاجة كانت على الدوام هي المعرقل الأكبر أمامهن .
وفيما يقول البحث العلمي ان العمل والإجهاد عكسي النتائج على الحالة النفسية والعاطفية والغريزية بين الرجل والمرأة ، نجد ان تدارك ذلك يكون مهملا أسريا . فالرجل يفقد الرغبة عند تعرضه للإجهاد ، فيما تحتاج المرأة الى التعامل العاطفي الأقوى عند الإجهاد بسبب العمل . لكن الغريب ان المرأة تزيد الضغط على الرجل ماديا ، وبالتالي يزداد الإجهاد ، فيقل عطائه العاطفي . بينما ينشغل الرجل في كثير من الأحيان عن توفير الغطاء العاطفي المناسب لزوجته التي تعاني إجهادات العمل . ومن ثم تبدأ مجموعة من المشاكل النفسية ، والتي تفتح الأبواب امام مشاكل اكبر وأخطر .
وبالمناسبة ، يعاني الكثير من الرجال والنساء ، والذين قد يكون زواجهم مرّ عليه فترة زمنية طويلة احيانا ، نقصا واضحا في الثقافة الجنسية . حيث يُعتبر التعرف على هذا العالم المهم من المحظورات الاجتماعية ، في خطأ كبير ، يتسبب احيانا في هدم احد الزوجين أخلاقيا ، او كليهما ، او حتى هدم الاسرة . ولا يجيد الكثيرون آليات الإشباع لرغبات الاخر ، والتي تبدأ بالكلمة ، وتنتهي بالابتسامة . حيث تضيع هذه اللحظات المقدسة بين تمنع وتململ الزوجة ، وبين الآلية البهيمية لكثير من الرجال ، او ربما بسبب برودة احد الطرفين ، او الاختلاف في مستوى النشاط . وفي بعض الأحيان يكون للروتين دوره في إخماد الرغبة . وقد يكون للنظرة الاجتماعية وتأثير البيئة دور في رسم صورة العلاقة الجنسية بين الزوجين ، حيث لا يراها الرجل الا لحظة لإفراغ شهوته في بضع دقائق ، بينما تراها المرأة أمرا مخجلا ، تقوم به مضطرة .
على الزوجين - واقعا - النظر للعلاقة بينهما عاطفياً وجنسيا من زاوية الحب والألفة ، وألّا يعتادا على حصرها بلحظات روتينية ، تتمثل بحالة من الإفراغ ، بل هي آلية من آليات شحن العاطفة وتجديد المحبة ، ودافع للتقارب المستمر . وربما يكون من المناسب ابقاء هذا الوهج وهذا الدافع محركا للتواصل بين الزوجين ، وموجدا للاشتياق الدائم .
نادرا ما نجد ان احد الزوجين يبادر الى التواصل مع الاخر اثناء تواجدهما في أماكن متباعدة ، في العمل او غيره ، بكلمة اشتياق ، او بعض أبيات الغزل ، او السؤال عن حاجة بعضهم الى الاخر ، مما كان سيغني الطرفين عن مجمل المحيط .
وقد يستشعر بعض الأزواج غرابة ان يغازل زوجته خارج فراش الزوجية ، فيما يجد الكثيرون صعوبة بالغة في تغيير الأجواء مع أسرهم ، عبر السفر ، او تغيير روتين الحياة اليومية .
وقد رأيت ان الكثيرين من الرجال والنساء العاملين والعاملات يعيشون حياة الماكنة ، لا يكاد احدهم يأخذ استراحة عن العمل ، متناسين كليا حاجة أسرهم وازواجهم اليهم . يمكن للرجال والنساء معا إتاحة الفرصة لأنفاس أسرية ، من خلال يوم اجازة أسبوعيا ، او ثلاثة ايام شهريا ، او ما يقارب الأسبوعين او اكثر سنويا ، كحد أدنى لكسر الروتين الذي يصيب الحياة الأسرية بالشيخوخة .
بعض الأزواج يمكن القول انه لا يعدو مقبرة تدفن الحس الإبداعي لشريك حياته . حيث هو بين الجهل بشريكه ، او اللامبالاة بما لديه ، اما لقصور او تقصير ، او لانه يحاول جعل شريكه في مستوى أدنى دائماً ، ليبقى هو الشريك الأفضل صوريا . وفي كثير من الحالات يستجيب الشريك صاحب الحس الإبداعي لاشادات قادمة من خارج المنظومة ، كي يستشعر قيمته الإبداعية .
ومن الطريف - والمحزن - ان الكثير من الأزواج يعطي خارج منزله - للغير - من الرعاية - لأسباب استعراضية ربما - ما لا يعطيه لشريك حياته ! ، فيما هو - واقعا - يزرع في غير ارضه ! .
وسائل التواصل الاجتماعي دخلت مؤخراً كشريك حياة ، يدمنه الزوجان ، حد الغيبوبة في كثير من الأحيان . والواقع ان الخطر القادم مع هذه الوسائل كبير جدا ، خصوصا حين يستعين - هذا الخطر - بالفراغ - القاتل - الذي يعيشه شخص ما ، والذي قد تتعقد مشاكله النفسية بوجود الإهمال المتعمد او غير المتعمد ، لذلك يجد الكثيرون في هذه الوسائل متنفسا مناسبا لقتل الوقت ، او للإحساس بوجودهم ، حتى مع الاقتناع بكذب ما يجري داخل هذه المنظومة التواصلية ، سيما بغياب الروادع الدينية والعرفية ، وغيبوبة الضمير ، وموت الانسان داخل الكثيرين . وهنا من المناسب جداً ان يستغل الزوجان هذه الوسائل - الادمانية - لإبقاء المنظومة سليمة ، ومن ذلك ان يتواصلا معا عبر بعض هذه الوسائل ، ويجدا فيها وسيلة اخرى للحث العاطفي .
وقد يكون لوجود الأطراف الخارجية في أسرتي الزوجين اثر خطير في عرقلة النجاح المتوقع لهما . ولا نريد ان نسرد الأمثلة على تسبب تلك الأطراف في مشاكل كبيرة للزوجين ، لكن يمكننا القول ان كلا الشريكين سيفكران بمدى استحقاق الشريك الاخر لمستحقات الوقوف الى جانبه ، وهل ان هذا الشريك منتج ونافع ، حتى يستطيع شريكه العمل على خلق حالة من التوازن بينه وبين أهله وأسرته . هذا من حيث التفكير الربحي ، لكن من حيث التفكير الإيجابي فالواجب على الشريكين إظهار محاسن كل طرف امام مجتمعه ، وعدم نشر عيوبه ، او ربما خلق عيوب غير موجودة أساسا لمجرد الخروج منتصرا ، وبالتالي جعل الجميع يعيشون تواصلا إيجابيا في المجتمعين المتبادلين ، بل والعمل على زرع كل طرف لشريكه في منبته ، ليكون مثمرا فيه ، بالكلمة الطيبة والموقف النبيل ، فتزداد فرص النجاح .
ان آليات العيش المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة أخذت الاسرة والحياة الزوجية نحو مساحات ضيقة ، وزادت من السرعة حد اللهاث ، وقللت فرص اللقاء ، وزادت من السعار المادي ، وضائلت حظوظ السمو الروحي - الذي هو في الحقيقة اهم عوامل نجاح الحياة الزوجية - ، لذلك لابد من العودة لشيء من الحياة ( الكلاسيكية ) ، لانها تتضمن العديد من فرص النجاح ، مع عصرنة سبل الراحة ، والارتقاء بلغة الحوار .
ان تغيير الذهنية التي تدير سبل التعامل مع شريك الحياة سيتيح فرصة اكبر للنجاح . اما العيش بأبعاد ( الندية ) تأثرا بموروثات اجتماعية سلبية بالنسبة للرجل ، او تأثرا بمفاهيم وافدة موجهة من خارج المنظومة الاجتماعية المحلية بالنسبة للمرأة ، فلن يترك وراءه سوى أسرة مبعثرة ، وقلوب محطمة ، ورجلا حائرا مترددًا ، وامرأة حيرى تقلبها اهل المناهل والمناقل ، يعيشان على الهامش الاستغلالي ، لمجتمع تحول الكثير من أفراده ، بل ومؤسساته ، الى وحشية البهائم .
|