أطماع تركيا في الرافدين أصبحت عدوانا بموجب القانون الدولي!

العراق تايمز ــ كتب علاء اللامي: 

ثمة خبر جميل يأتي كبشرى رائعة فيما العراق الخالد يغرق في عمق الأزمة السوداء الراهنة التي يحاول أقزام السوء ودعاة التقسيم الطائفي أن يغرقوه فيها ليقيموا دويلاتهم المشؤومة، دويلات العشائر والطوائف والزواحف البشرية: فقد تم في شهر نيسان/أيار الماضي المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة المسماة "قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية". هذه الاتفاقية المهمة جدا تلغي وإلى الأبد، دوليا وقانونيا، مزاعم تركيا في أن نهري دجلة والفرات هما نهران تركيان عابران للحدود وليسا نهرين دوليين، وأن من حق تركيا فقط التصرف بهما وبمياههما دون تنسيق أو تعاون أو مشاورة الدول المتشاطئة معها لأن ذلك يعتبر من مشمولات السيادة التركية على أنهارها كما يزعم حكام تركيا منذ ستينات القرن الماضي. فقد صادقت دولة فيثنام على هذه الاتفاقية في نيسان الماضي ليكتمل العدد المطلوب من الدول للمصادقة الأولية والبالغ 35 دولة، وستودع صكوك المصادقة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وستكون الاتفاقية سارية المفعول تلقائيا كقانون دولي ملزم بعد ثلاثة أشهر أي في 17 آب / أغسطس المقبل. وقد كنت قد كتبت عن هذا المحور من موضوع العدوان التركي على أنهار العراق في كتابي "القيامة العراقية الآن.. كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين" الصادر عن دار الغد في بغداد سنة 2012 ومنه أدرج لكم الفقرات التالية لمزيد من تسليط الضوء على هذا الموضوع الخطير والوجودي الخاص ببقاء العراق الجغرافي والبشري والحضاري:

 

 

 

قفزة نوعية في القانون الدولي للمياه: في سنة 1972، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا، أوصت فيه بمباشرة "لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة" بدراسة وضع إطار قانون دولي يخص استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية، لاسيما وأن المشاكل حول المياه الدولية كانت قد بدأت تتصاعد دون وجود قانون دولي واضح بهذا الشأن. وفي سنة 1976 وضعت اللجنة الصيغة الأخيرة لمشروع القانون وعند تقديمه للقراءة الأولى اعترضت عليه مجموعة من الدول، ولدراسة طلبات التعديل والحذف وتحفظات هذه الدول، وأخذها بنظر الاعتبار،  قررت لجنة القانون الدولي الاستمرار في أعمالها للوصول إلى نتيجة يتفق عليها المجتمع الدولي.

 

وعندما عرضت الاتفاقية للقراءة الثانية في سنة 1994، قدم عدد من الدول، مرة أخرى، اعتراضات واقتراحات بالتعديل أو الحذف أو الإضافة لبعض المواد، أو تعديلات للصيغ. وقررت لجنة القانون الدولي إحالة مجموعة المقترحات بكليتها إلى لجنة الصياغة لتشرع بالنظر فيها، واستناداً إلى تقرير لجنة الصياغة، اعتمدت لجنة القانون الدولي النص النهائي للاتفاقية. ويخبرنا الباحث، فؤاد قاسم الأمير، أنَّ (سوريا كان لها دور كبير في مناقشة القراءتين، واقترحت في القراءة الثانية إضافة مادة جديدة يكون نصها كالآتي (إنَّ قيمة المياه تعادل قيمة الأرض، ومن يعتدي على الحصص العادلة والمعقولة من استخدامات المجرى المائي الدولي، المتفق عليها بين دول المجرى المائي، فسوف تطبق بحقه العقوبات المناسبة، والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، شأنه في ذلك شأن من يعتدي على أراض الغير بالقوة). بمعنى، أنَّ الاقتراح السوري يساوي بين الاعتداء على أراضي دولة أخرى وبين الاعتداء على حقها في المياه، على الرغم من أن الأرض ثابتة والمياه جارية ومتغيرة. وفي الواقع، فإنَّ ما تعنيه سوريا هو تطبيق البند السابع لميثاق الأمم المتحدة بسبب الاعتداء على أراضي دول مجاورة، وهذا الأمر لم تتم الموافقة عليه، ولكنْ، ونظراً لأنَّ العصر القادم، سيكون عصر "حروب المياه"، كما يتوقع كثيرون، فمن المتوقع أن يصبح هذا الاقتراح السوري مطروحا بقوة على بساط البحث والتفاوض في الهيئات الأممية في المستقبل.

 

أما موقف تركيا في اجتماعات اللجنة الدولية، فكان موقف التحفظ والاعتراض دائماً، حتى إذا كان دون مضمون أحياناً وبقصد العرقلة والتشويش ليس إلا. ومن هذا القبيل ما صرح به ممثلها في إحدى الجلسات حيث قال إنَّ تركيا (ترى أنَّ سيادة الدولة على مواردها الطبيعية، بما في ذلك المياه لم يؤخذ به بالقدر الكافي من الاعتبار، وهي تؤيد قصر تطبيق القانون – موضوع النقاش – على المياه السطحية دون المياه الجوفية). أما  ممثل العراق في الجلسة نفسها، فقد أكد (أهمية أخذ نوعية المياه الداخلة لأي دولة من دول المجرى المائي عند تحديد الكمية المنصفة والمعقولة) وهذا مطلب معقول يؤيده العلم، إذْ أن المياه الملوثة تحتاج إلى المزيد من المياه النظيفة والعذبة لإزالة ما تخلفه التلوثات في حوض النهر. وقد بلغ عدد الدول التي صادقت على الاتفاقية 14 دولة حتى تاريخ 8/6/2006 وهي: فنلندة، وسوريا، والنرويج، وجنوب إفريقيا، ولبنان، والأردن، وهنغاريا، والسويد، وهولندا، والعراق، وناميبيا، وقطر، وليبيا، والبرتغال. فيما يتطلب تحولها من مشروع إلى قانون دولي نافذ 35 دولة تودع صكوك مصادقتها لدى الأمين العام للأمم المتحدة. أي أنَّ هذه الاتفاقية المهمة لا تزال بحاجة إلى مصادقة 21 دولة، وتلك هي مهمة العراق وسوريا بالدرجة الأولى لإقناع وكسب هذا العدد من الدول، والدول العربية قبل غيرها.

 

ويلاحظ الصديق الباحث فؤاد الأمير، أنَّ ست دول عربية فقط صادقت على الاتفاقية علما بأن مواد هذه الاتفاقية لصالح العراق وسوريا، وحتى لصالح دول عربية يقع جزء من أراضيها ومياهها الجوفية في حوض دجلة كالمملكة العربية السعودية التي تغذي حقول مياهها الجوفية الأجزاء الجنوبية من حوض الفرات. وهناك دول عربية لن تترتب عليها أية التزامات أو يلحق بها أي ضرر إذا صادقت عليها، ربما يمكن استثناء مصر والسودان لأنهما قد يتأثران سلباً فيما يخص مياه النيل فيكون معهما حق إذا تحفظتا على هذه اتفاقية. ويستنتج الأمير مقترحا، أنَّ (على العراق وسوريا العمل لجمع العدد اللازم من الدول للمصادقة على الاتفاقية لكي تكون قانوناً دولياً يمكن اللجوء إليه في النزاع الحالي على المياه مع تركيا وإيران رغم أن هاتين الدولتين لم تصادقا عليها، وفي الواقع فإنَّ تركيا رفضت الاتفاقية أصلا. إنَّ العمل لإقناع الدول المختلفة التي وافقت على الاتفاقية في عام 1997 بوجوب تصديقها عليها، يجب أن يكون جزءاً مهماً من العمل الدبلوماسي لوزارة الخارجية العراقية / الموازنة المائية في العراق. ص 267 م. س). وكان مفترضاً أنْ تغتنم الدبلوماسية العراقية مناسبة كون العراق هو بلد رئاسة القمة العربية التي عقدت في بغداد سنة 2012، لتقوم بهذه المهمة وتقنع الدول العربية، ثم الصديقة بالمصادقة على هذه الاتفاقية، ولكن يبدو، حتى الآن، أنَّ هذه الدبلوماسية في شغل شاغل عن هذا الأمر ولا يبدو أنها ستكترث له.

 

من المواد المهمة في اتفاقية "قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية" يمكن تسليط الضوء على تعريف "المجرى المائي". وقد تطرقنا له بشكل عام، وقلنا بأن الاتفاقية تعرفه بأنه "شبكة المياه السطحية والمياه الجوفية التي تشكل، بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض، كلاً واحداً وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة". أما المجرى المائي الدولي، فهو "مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة". وعُرِّفَت دولة المجرى المائي بأنها "دولة طرف في هذه الاتفاقية، يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي، أو طرف يكون منطقة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي". ومن إيجابيات هذه التعريفات أنها أدخلت البحيرات والغدران وأنهار الجليد والمياه الوفيرة والطبقات الصخرية المائية ضمن هذا المصطلح الجامع الشامل، وبهذا تلاشت التعريفات الجزئية والناقصة وغير العلمية وبخاصة المصطلحات التركية من قبيل "النهر العابر للحدود" و"الأنهار الحدودية".. الخ. إنَّ هذه التعريفات في الاتفاقية الدولية تقترب كثيراً من تأكيد وضمان حقوق العراق في مياه الحوضين اللذين تصر تركيا على المطالبة باعتبارهما حوضاً واحداً. وسنعود إلى هذا الموضوع في الفصل القادم، العاشر، والخاص بمناقشة مشروعي الثرثار وبخمة.

 

يتضمن الباب الثاني، المبادئ العامة للاتفاقية. ويحتوي على مجموعة من المواد المهمة، والتي تتعلق بحقوق المجرى المائي والتزامات الدول. فالفقرة الأولى، من المادة الخامسة، قررت، ضمن عنوان "الانتفاع المشترك"، أنْ تنتفع دول المجرى المائي، كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة. وبصورة خاصة، تستخدم هذه الدول المجرى المائي وتنميه بغية الانتفاع به بصورة مثلى ومستدامة والحصول على فوائد منه، مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي المعنية، على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجرى المائي". أما الفقرة الثانية، فزادت الأمر وضوحاً حين نصَّت على أنْ (تشارك دول المجرى المائي في استخدام المجرى المائي الدولي وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة، وتشمل هذه المشاركة حق الانتفاع بالمجرى المائي وواجب التعاون في حمايته وتنميته على النحو المنصوص عليه في هذه الاتفاقية).

 

ورغم أنَّ الباحث يفترض وجود تفسيرات وتأويلات عديدة لتعابير من قبيل: طرق الاستخدام "المنصفة والمعقولة"، حيث تعتمد على درجة رقي الدولة المعنية، وقوة اقتصادها، وطرق الري والزراعة المستخدمة فيها، والعلاقات والأعراف الاجتماعية السائدة، والقوانين النافذة فيها. ولكنه يعتقد أن وجود تعابير "الانتفاع والمشاركة" تساعد كثيراً في التأكيد على عدم ضياع حق أية دولة "تشارك" في المجرى المائي).

 

بهذا الحدث التاريخي الكبير، حدث المصادقة على هذه الاتفاقية الدولية،  تحولت مزاعم وعنجهية الدولة التركية الأطلسية إلى رماد من الناحية القانونية الدولية، وسيكون لزاما على الدولة العراقية، وبمجرد أن ينتهي هذا الطور الأسود "طور حكم المحاصصة الطائفية" من تاريخها، أن تقوم بواجباتها وتطرح موضوع النهرين - دجلة والفرات وكارثة تجفيفهما وزوالهما من الوجود بفعل مشاريع وسدود تركيا المائية على الهيئات والمنظمات الدولية لإنقاذهما ووقف وإنهاء العدوان التركي.

 

وللعلم فإن سدود تركيا ليست بالعشرات بل بالمئات، ويزيد عدد المنجز منها على 740 سدا من بينها 208 سدود كبيرة يقبع خلفها عدد من البحيرات الاصطناعية التي ستحتجز فيها مياه الرافدين. وقد وثقنا مواقعها ومواصفاتها وقدراتها الاستيعابية في الكتاب المذكور.

 

* ورد خبر المصادقة على الاتفاقية في مقالة لرئيس ومؤسس منظمة الصليب الأخضر الدولية ميخائيل غورباتشوف قال فيه (في شهر أيار أصبحت فيتنام الدولة الخامسة والثلاثين (والحاسمة) الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية. نتيجة لهذا وبعد تسعين يوما، في السابع عشر من آب على وجه التحديد، ستدخل الاتفاقية حيز التنفيذ. الواقع أن الأمر استغرق ما يقرب من الخمسين عاماً لصياغة وإتمام عملية التصديق، وبوسعنا أن نستشف من هذا أن شيئاً ما في نظام التعددية الحديث غير سليم على الإطلاق. وبعيداً عن الخلافات التي طال أمدها حول كيفية تخصيص موارد المياه العذبة العابرة للحدود وإدارتها، والتفضيل المفهوم من قِبَل الحكومات والمتخصصين في مجال إدارة المياه للاعتماد على الاتفاقيات الخاصة بأحواض الأنهار بدلاً من الأدوات القانونية الدولية، فقد لا يكون بوسعنا أن نفسر هذا الانتظار لمدة نصف قرن من الزمان إلا بالعجز الواضح في الزعامة السياسية. لذا، فبرغم أن العالم يحتفل بتبني الاتفاقية بعد طول انتظار، فلا يجوز لنا أن نكتفي بما أنجزناه بالفعل).