اشواك المالكي.. ديمقراطية الفشل وعض الاصابع البنفسجية

يواصل العراق الجديد منهجية خاطئة في العملية السياسية اعتمدت ديمقراطية المحاصصةالفاشلة، فيماحاولت الولايات المتحدة تسويق منهجية الديمقراطية التوافقية، وشتان ما بين كلا الحالين، لذلك فشل مجلس النواب لتسمية مرشحيه للرئاسات الثلاث وكان الدكتور ابراهيم الجعفري واضحا في اطلاق احكامه عن الترابط ما بين المناصب الثلاث عبر سلة محاصصة واحدة  امام مجلس النواب وكانه يكرر ما سبق وان أشار اليه في احاديث الصحفية خلال الأيام القلية الماضية منها مقابلته مع قناة المنار اللبنانية .
مشكلة العراق اليوم كما هي في الانتخابات السابقة، عض الأصابع البنفسجية والشعب يشاهد من انتخبهم وهم يتقاتلون داخل قبة البرلمان، في تلك المناوشات الصاخبة ما بين دولة القانون والتحالف الكردستاني وهم يتعاركون حول مستحقات رواتب موظفي الإقليم، ولم نشاهد غير كلمة موجزة لرئيس السن الدكتور مهدي الحافظ  وهو يؤشر الى العمليات الامينة  وما فيها  من مشاكل صعبة تلقي بظلالها على المشهد السياسي .
 ما بعد انتخابات 2010 ، انتقل الشعب الى التظاهرات في ساحة التحرير للتعبير عن رفضه للمحاصصة وما فليها من خلافات وقحة تنقل العراق الى نموذج من الحرب الطائفية، واليوم هناك  دعوات لجمع التواقيع على لائحة قانونية  تطرح على المحكمة الاتحادية لإجبار نواب الشعب على الالتزام بأحكام الدستور، ومن يطالع مواقع التواصل الاجتماعي وما فيها من انتقادات للفشل البرلماني، تتأكد عنه القناعة بان الشعب وهمومه في واد ، واطماع نوابه  وقياداتهم السياسية في واد اخر .
 هذه النبرة الغاضبة في التعليقات، لاسيما في مواقع بعض النواب، مثل النائبة عن التحالف الوطني شرق العبايجي التي اعتذرت للشعب وناخبيها عن هذا الفشل الذريع في الجلسة الأولى، فيما استعادت قاعة الاعلام في مجلس النواب حيويتها في تلك المؤتمرات الصحفية التي تلقي بكرة الفشل من قائمة على أخرى وتتهم كل كتلة الأخرى بانها السبب في فشل الجلسة الأولى.
كل ذلك يعيد التذكير بما سبق وان طرح في مناسبات عديدة، بان الشعب اكثر قوة وتماسكا من نوابه، وهم ينتظرون بهمومهم وما يمكن ان يسير بهم نحو شواطئ الحلول وما ظهر من مواقف واضحة في خطاب المرجعية الدينية العليا للضغط على قيادات عراقية ما زالت تنظر الى العملية السياسية بكونها الحديقة الخلفية لأجنداتها الحزبية،مما أدى ويؤدي الى عدم التوصل الى حلول سريعة لمراجعة الأخطاء والمضي بالعملية السياسية  نحو الحلول المنتظرة .
وما بين كل هذا وذاك ، يبقى تأثير التدخلات الإقليمية والدولية،ما يؤكد ان عراق اليوم ليس بأكثر من سورية جديدة، ربما تبقى على حالها لأعوام مقبلة، وان نتائج الانتخابات ليست اكثر من محاولة لإعادة توزيع الأدوار بين اجندات متضاربة إقليميا ودوليا، وان حلول الملف النووي الإيراني لابد وان تمر من وبابة العراق وسورية ، فيما  مخاوف الهلال الشيعي تجعل السعودية تعارض النموذج الشيعي للحكم في العراق، وما بين كلا الحالين ، لا تكون غير داعش بل ما فيها من قذارة الإرهاب،ملاذا للحواضن السنية ، واجبار المواطن الشيعي على التمذهب الصفوي او اتهامه بكونه من بقايا البعث الصدامي، فيما تواصل الشوفينية الكردية  هيمنتها على الأرض، ربما ينتهي الوضع الى حكومة اقل هيبة من الحكومة اللبنانية ، ومناطق تسيطر عليها داعش، فيما  ما زال  من يطلقون على انفسهم " ثوار العشائر" غير قادرين على الفصل بين  مطالب عشائرهم السلمية  وبين  قبح  داعش وخلافتها  الاسلامية المزعومة ، 
 وبعد 4 أعوام أخرى على العراقي ان يقترع مرة أخرى لديمقراطية الفشل ، فلا بديل عنده غير انتظار حلول "الكبار" على قارعة مجلس النواب ، في  وقت  لا تبدو مجريات الاحداث خلال اليومين الماضيين تصب في صالح الولاية الثالثة للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي ، فالنموذج اليمني الذي اجبر الرئيس علي عبد الله صالح على الاستقالة ، تحاول  واشنطن فرضه على ايران ومنها على المالكي لقبول تدخلها لصالح كل المكونات العراقية وليس للشيعة فقط ، يضاف الى ذلك السهم الحاسم في خطبة الجمعة الماضية حينما أشار ممثل المرجعية الدينية العليا السيد احمد الصافي الى أهمية الإسراع في تشكيل  حكومة توافق عليها جميع الأطراف المشاركة في العملية  السياسية .
 وما بين كلا الحالين ظهرت رسائل اوربية، لاسيما من فرنسا وبريطانيا، وأخرى قالتها السفيرة الاوربية في بغداد مباشرة لقيادات التحالف الوطني،يضاف الى موقف روسي غامض في اتصل هاتفي بين بوتين والمالكي لم يرشح عنه معلومات وافية غير إمكانية تسريع الصفقات التسليحية اتي تشوبها رائحة الفساد ما بين موسكو وبغداد.
مشكلة السيد المالكي انه أوقع نفسه في مطبات متتالية، مرة في الفخ السوري، دون حساب النتائج الا من خلال الاجندة الإيرانية، بل انه وائتلاف دولة القانون لم يضعوا في حساباتهم انزواء الاخوان المسلمين في مصر وظهور المشير السيسي كمنقذ لبلاد، جعل الكثير من القيادات الشيعية وحتى الدكتور اياد علاوي يطرحون تشكيل حكومة انقاذ وطني كبديل لحكومته.
وأخرى في سياسات الحصول على المكاسب دون دفع فاتورتها، وهكذا وافق على شروط المجتمعين في ملتقى أربيل عام 2010 مقابل حصوله على رئاسة الوزراء الثانية، دون ان يطبق أي شرط منها، واحال الامر الى البرلمان العراقي حيث وجد ائتلافه دولة القانون ان هذه الشروط غير دستورية !!
 فانتهى الامر الى ازمة سياسية مستدامة بينه وبين حكومة الإقليم الكردي، انتهت بتصدير نفطه دون موافقة بغداد، كما انتهى الامر الى مظاهرات واعتصامات فيما عرف بالمحافظات السنية المنتفضة، لكن ظهور داعش وتنظيماته الإرهابية في مشهد هذه التظاهرات، مكن المالكي من فضها دون ان يكون ان يقدم لهم ما سبق وان وعد به قياداتهم العشائرية والسياسية.
كل ذلك جعل مسيرة المالكي عبارة عن منزلقات خطرة تسيير العملية السياسية في العراق باستراتيجية اللحظة، فمن هو صديق اليوم ربما يكون عدوا غدا والعكس صحيح، وعدم الثبات في عمل الحكومة رسخ اليات المحاصصة والفساد الإداري والمالي بعد ان استطاع المالكي من الاحتفاظ بملفات للكثير من القيادات العراقية اما تربطهم بالإرهاب مباشرة او بعمليات فساد كبرى، يوظفها الرجل لصالح ولايته الثالثة.
 وحينما حاول ان يخرج من قمقم المحاصصة والولوج الى عالم حكومة الأغلبية السياسية، واجه معضلة سقوط الموصل بيد داعش، مما جعله يدعو الى ان ينتزع بنفسه اشواكها من قدميه رغبة منه في تعزيز مكانته السياسية، وهكذا جاءت فتوى الجهاد الكفائي كمنقذ لدعم غير محدود، الا ان مرجعية النجف سارعت لضبط هذا الدعم بشروط أبرزها موافقة الشركاء على ولايته الثالثة.
ويبدو من الممكن القول ان هذه الاشواك وهي تدمي مستقبل المالكي السياسي، فانها مصدر قوة له، كونها تكشف للراي العام لاسيما المناصر لولايته الثالثة عما حصل من مؤامرة وخيانة وخديعة تستهدف الرجل، مرة لمواقفه ضد سياسات الإقليم الكردي، وثانية بالضد من اندماج عصابات داعش مع بقايا تنظيمات حزب البعث المنحل وثالثة بالضد من رغبات شيعية لا تريد بقائه في رئاسة الوزراء.
والسؤال هل يستحق العراق مثل هذه " الاشواك" فقط من اجل ولاية ثالثة سيقرع الاجراس  بذات  الانشودة " اذا الشعب يوما  اراد الحياة  ..... "!!!