"داعش" تنتصر مرتين

في العاشر من حزيران الماضي حلت "نكسة حزيران" لكن في العراق هذه المرة لا في فلسطين.  في غضون يومين لا في ستة ايام احتلت داعش  نينوى وصلاح الدين واجزاء من ديالى. العراقيون لم يكتفوا بندب حظهم جراء ما حصل  بل تنابزوا بالالقاب وتبادلوا الاتهامات بشتى انواع الخيانات سواء على مستوى الكتل السياسية او على مستوى المكونات وفي المقدمة منه التصعيد الخطير بين اربيل وبغداد من تبادل للاتهامات صب في مجمله في مصلحة داعش بامتياز.   
اذن داعش انتصرت مرتين. مرة باحتلال نينوى وصلاح الدين ومرة في توسيع شقة الخلاف بين بغداد واربيل وبالذات بين دولة القانون  والحزب الديمقراطي الكردستاني وعلى وجه اخص بين السيدين نوري المالكي ومسعود البارزاني. بلا شك ان جزء رئيسيا  من اسباب هذا الاخفاق واسبابه يعود الى الخلل البنيوي الذي تعانيه العملية السياسية. وهو ما ينسحب ايضا على الخلاف مع العرب السنة في المحافظات الغربية. ففي ظل عدم قدرة الحكومة المركزية على التعامل الصحيح مع احتجاجاتهم مهما كانت الملاحظات عليها فان قوى الارهاب استثمرت ذلك لمصلحتها. اما المعارضون منهم فقد
 وجدوا في اقليم كردستان مع اكثر من مليون من نازحيهم ملاذا امنا. لكن النقطة الجوهرية هي ان كلا من السيدين المالكي والبارزاني لم يرتفعا الى مستوى التحدي الذي تواجهه البلاد. فكلا الرجلين انحدر الى مستوى من الحوار لا يليق بمن هو في مقامهما بالظروف العادية فكيف الحال في ظرف ازمة نتج عنها احتلال محافظات باكملها.     
 قد تبدو نقطة الخلاف الابرز بين الطرفين هي ايواء اربيل لجماعات سياسية معارضة من العرب السنة. صحيح ان نبرة الكثيرين منهم عالية وربما تصب الزيت على النار,  لكن لا يصح الخلط  بين اقدام الكرد على ايواء هؤلاء على علات بعضهم من منطلق اقدامهم تاريخيا على ايواء كل المعارضين من جور الظلم  بمن فيهم المالكي نفسه ايام الدكتاتورية وبين توجيه الاتهامات لهم بالتنسيق مع داعش والقاعدة والارهاب بطريقة بدا فيها شهر فيها كل طرف سلاحه بوجه الاخر بدلا من ان يشهره بوجه عدو مشترك. 
 مع ذلك فان مستوى التناقض يصل احيانا حد الغرابة.  ففي الوقت الذي تتهم فيه  اربيل بالتنسيق مع داعش لضرب العملية السياسية كان السيد  المالكي ينتظر تحت قبة البرلمان نوابها العالقين في المطار بسبب سوء الاحوال الجوية ببغداد لغرض اكمال المسيرة الديمقراطية وترشيح الرئاسات الثلاث. لانستطيع اعفاء اربيل وبالذات السيد البارزاني من جزء غير يسير من المسؤولية لاسيما على صعيد ما حصل في كركوك واعلانه تطبيق المادة 140 او تهديده الدائم بالانفصال. لكن في الوقت نفسه لايجوز لبغداد وللسيد المالكي تحديدا الخلط بين داعش وبين جماعات معارضة مهما كان
 مستوى الخلاف معها. فاذا كانت اربيل "تورطت" في الازمة فمن باب حيلة المضطر وليس التنسيق المسبق مع كل ما يمكن رصده من ملاحظات. لكن علينا الاقرار ايضا ان ما حصل في المحافظات الغربية خلال السنتين الاخيرتين بالذات كان بسبب سياسات خاطئة من تهميش واقصاء واجتثاث   فاحسنت داعش استغلاله لصالحها. وفي حال لم يتم تدارك الامور من خلال مصالحة حقيقية وطي صفحة الماضي فان ما يمكن ان يحصل في المستقبل سيكون بسبب عدم الفرز بين التمرد والارهاب وهي ضريبة قد تستمر اربيل في دفع جزء منها ولو على طريقة مكره اخوك لابطل.