صراع على المصالح حضرت ادواته المذهبية.!!

قلنا في مقال ا سابق ان امريكا لن تتكفل بحماية احد اذا ما تضررت مصالحها في المنطقة ، واشرنا من باب التاكيد على ذلك نموذج نظام صدام حسين الذي حارب بالنيابة عن امريكا والغرب لمدة ثمان سنوات نظام الحكم في ايران ، بهدف قطع الطريق أمام مسالة تصدير ثورته الاسلامية الى دول المنطقة والوقوف بوجه تيارها الجارف في حينها لضمان استقرار المنطقة وابعادها عن شبح التوترات التي كانت من شأنها ان تلقي بتداعياتها على المصالح الاستراتيجية للغرب عموما ، وأكدنا انه لولا هذه الحرب لتضررت تلك المصالح وأصبحت هدفا سهلا للمناوشات الايرانية ، بل ورضخت النظم السياسية الصديقة لامريكا والغرب في المنطقة للضغوطات الايرانية و شروطها ، وتحولت الى نظم سياسية هشة تفقد معالم استقلاليتها الوطنية والقومية لتكون لتكون أداة فعلية لتمرير مخططات ايران الهادفة لاحتواء المنطقة برمتها ....

اذن ما نراه هذه الايام على أرض العراق وما يجري عليها هو صراع مذهبي مهما تعددت تسمياته ، والتي حضرت أدواته على شكل جماعات مسلحة تنفذ أجندات اصحابها الخاصة بالمصالح السياسية والاقتصادية التي تتعرض للمخاطر جراء تفاقم الاوضاع في المنطقة التي تسير نحو الاسوء بسبب شدة الصراع بين ايران ومحاولاتها لتوسيع رقعة نفوذها في المنطقة بعد زوال نظام صدام حسين . وبين مخاوف امريكا والغرب من تلك المحاولات ان تتحول الى ناقوس خطر دائم على مصالحها في المنطقة ....

سقوط الموصل وعدد أخر من المدن العراقية على أيدي مسلحي تنظيم داعش قد ايقظ الاحساس الايراني بان المكتسبات الشيعية التي تحققت في العراق بعد عملية الاطاحة بصدام حسين باتت في خطر ، وان التحرك سريعا باتجاه التدخل المباشر في العراق سيوفر على الشيعة عموما فرصة الوقوف بوجه هذه التيارات المتطرفة التي تعادي الحكم الشيعي في العراق الذي يقوده نوري المالكي منذ ثمان سنوات ، ولهذا فان هذا الاحساس الايراني الغريب والمثير قد فتح الباب امام المزيد من الاحتمالات الواردة ان يكون الدور الامريكي على مدى الايام القادمة على مستوى اكبر ، بسبب ضخامة التحدي الايراني للدور الامريكي في المنطقة ، في وقت والولايات المتحدة الامريكية لا يمكن ان يفرط بمصالحها من أجل حكومة لم تقدر ان تثبت من قدرتها على مراعاة الحقوق المشروعة للمكونات الدينية والمذهبية والقومية في العراق ، ولم تكن على بعد مسافة واحدة من جميعها ، بل وكانت سببا مباشرا في خلقها للازمات والتناحر مع شركائها السياسيين الذين وقعوا ضحية تفسيرات خاطئة لشخص نوري المالكي الذي فضل ان يكون شيعيا مستبدا لا يرضى بأحد ولايقبل الاستشارة بل ويرفض الحوار ويستهين حتى بنصائح الاخرين مستندا على قوته العسكرية الخاصة به الذي شكلها ليكون بديلا للدفاع عنه عند حدوث اي طارىء ، والدعم الايراني اللامحدود له ، مما وفر له فرصة اتخاذ القرارات الفردية دون الرجوع لشركائه ، والتي دفعت بالبلاد الى شفير الهاوية ، وهذا يعني ان خضوعه المطلق للارادة الايرانية في كيفية معالجة هذه الازمة الخطيرة التي تمر بها البلاد قد خلقت الفرصة امام تركيا ايضا ان تنضم الى السعودية وقطر و ليكون لاعبا اساسيا في هذه اللعبة الدولية والاقليمية التي كانت لاسبابها الداخلية الاثر البالغ لتفاقمها بهذه الشكل المخيف الذي لا يمكن التنبؤ بتداعياتها على مستقبل العراق ....

لذلك فان الواقع العراقي الجديد لم يكن حدثا مفاجئا وانما كان متوقعا في ظل قيام المالكي بابعاد العديد من شركائه السنة عن الواجهة السياسية وتهميش دورهم الاساسي في العملية السياسية بل واتهامهم بالارهاب لضمان تفرده بالسلطة المطلقة لتكون قاعدة متينة للوقوف بوجه معارضيه السنة والشيعة على حد سواء ، خصوصا حين عمد اخيرا ان يعمق خلافه المرسوم مع حكومة اقليم كوردستان ، وقطع المستحقات المالية للاقليم من الموازنة السنوية العامة كخطوة لتضييق الخناق المالي والاقتصادي مما يدلل ان حكومة نوري المالكي لا يتردد في الخضوع للارادات الدولية والاقليمية بخصوص كوردستان ، بل ولا يدخر جهدا الا ووضعه في هذا الاتجاه ، وراح يشجع من أعضاء حزبه ان يتطالوا بحماقة على الكورد ، ويهددوا عن جهل وتخلف المستقبل الكوردي ، في وقت وهنالك اصوات شيعية خرجت من صمتها لتعلن على الملأ رفضها التام لطبيعة ادارته لدولته القائمة على نهج النظام الحزب الواحد ....

ومن هنا فان تأخر الادارة الامريكية في اتخاذ قرار بما يتناسب مع حجم الكارثة التي حلت بالعراق نابع عن اهمال الولايات المتحدة الامريكية لشخص نوري المالكي الذي تخبط مرارا وتكرارا بسياسته الاقصائية لشركائه الذين وضعوه في سدة الحكم ،الا انه لم يتكيف مع محيطه السياسي بسبب حجم ثقافته السياسية الضيقة التي تدور في فلك الطائفة والمذهب منذ ثمان سنوات ، ولم يستطيع خلال هذه الفترة ان يقدم دليلا ملموسا على حسن ادارته للدولة التي أصبحت بفعل تلك السياسات دولة لا تعيش الا على الازمات الخانقة ، ومن جراءها فقدت الكثير من مزايا الدولة المستقلة ، خصوصا وانه وقع فريسة سهلة للارادة الايرانية حين تعامل بعاطفة مذهبية شديدة مع سير الاحداث في العراق ، مما مهد السبيل لأيران ان يكون طرفا مباشرا في اتخاذ اي اجراء يخص تنظيم داعش دون الرجوع الى آثار وتداعيات هذا التدخل المباشر في الشأن العراقي ، ليصبح العراق برمته ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات ، مما أغلق الباب تماما امام فرصة دعمه من قبل امريكا والغرب عموما لولاية ثالثة ....

لذلك نعتقد ان الوضع العراقي المضطرب سياخذ ابعادا خطيرة من الصعوبة التكهن بنتائجها على المدى القريب -بسبب دخول سوريا طرفا مباشرا في رسم الاحداث بعد ايران الذي وجد ترحيبا حارا من قبل نوري المالكي ، وهو دليل عجزه وعجز قواته من المواجهة الفعلية امام تنظيم داعش ، وربما ليس ببعيد ان يستغل ايران الوضع القائم في العراق ليحوله الى مكسب سياسي واقتصادي الذي قدمه له نوري المالكي على طبق من ذهب ، وهي بلا شك خطوة البداية نحو الكارثة الكبيرة وما سيتمخض عنها هذه اللعبة الكبرى التي لا تتجرد من المصالح والمنافع ، والتي تحاول روسيا ايضا ان تجد موطىء قدم لها في ساحتها المفتوحة امام كل الاحتمالات ...

وعلى هذا الاساس فان العراق مقبل على وضع سياسي قاتم لا يحسده أعدائه عليه الذين كانوا بانتظاره منذ أمد بعيد ليكون ممزقا على اساس الطائفة والمذهب ..