جدل الولاية الثالثة

يحتدم الصراع مجددا حول الولاية الثالثة، بين مؤيد ومعارض، مستخدمين كافة الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا! بدءا من التحالفات والاصطفافات الجديدة الى شراء الذمم والتهديد بكشف الملفات الى التسقيط السياسي، وتخوين الآخرين، وما يثير الدهشة والاستغراب حقا، ان المتصارعين يمارسون هذه اللعبة، وكأنهم غير معنيين بما يجري في العراق من احتلال وتدنيس لمساحات واسعة من أرض الوطن، واستباحة عاصمته والعديد من مدنه ومحافظاته.
ان الاكتفاء بالتصريحات المتشنجة، وغير الواقعية في أغلب الأحيان، وتبشير المواطن العراقي، باستراتيجيات جديدة، لا يرى منها أي تطبيق على أرض الواقع، سوف يؤدي الى تعميق الهوة بين المواطن والسلطة، التي يفترض فيها حمايته، وتوفير كل ما من شأنه صيانة كرامته وآدميته، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى تجسير هذه الهوة، لأنها الأساس في إعادة الثقة للعراقيين، وفي تفعيل دور الحاضنة الوطنية للقوات الأمنية والعسكرية، وبدونها لا يمكن تحقيق أي تقدم مهما كان ضئيلا.
من المحزن جدا، ان الشغل الشاغل للممسكين بالسلطة الآن، هو الجدل حول الولاية الثالثة، ومن سيربح الكرسي الذهبي؟ كرسي رئيس الوزراء، أما ما يتعرض له العراق من خطر التفتيت والتشرذم، والشعب من إبادة جماعية، فلا يحظى بالأولوية مع الأسف الشديد، وهو ما يتناقض كلياً مع الواجب الوطني والأخلاقي ومع الشعور بالمسؤولية، الذي يحتم على المتصدين لقيادة العملية السياسية، الالتفاف الى ما يعانيه شعبهم، وناخبوهم، الذين أوصلوهم الى سدة الحكم، مرة أخرى، عبر التخلي أولا عن التخندق الطائفي، وعن التشبث بالمواقف الجامدة، التي لا تثمر إلا مزيدا من الخراب والدمار، الذي يغرق فيه المجتمع العراقي حاليا، وهو ما تريده "داعش" وحلفاؤها، وممولوها وحماتها في الداخل والخارج.
ان المواطن العراقي، يتطلع بلهفة الى تكريس كل الجهود والطاقات، وتعبئة كل الموارد والإمكانيات، للخلاص من هؤلاء الظلاميين، السفاحين، وتجريدهم من الورقة الرابحة، التي بأيديهم، ورقة الشحن الطائفي السوداء، وفي ذات الوقت يتطلع الى الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية كاملة الصلاحيات، تبنى على أعمدة الكفاءة والنزاهة الوطنية، ولها برنامج عمل واضح، تستطيع تنفيذه خلال فترة حكمها، ونظام داخلي يساعد على تنظيم أولوياتها ومفردات عملها، وعدم اقتصار دور هذه الحكومة على التنعم بعسل السلطة وامتيازاتها، التي تفسد كل من تنقصه الحصافة السياسية والوطنية والأخلاقية، وما أكثرهم في عراقنا المذبوح بصراعات الطائفيين والشوفينيين وطلاب السلطة.
فهل هذا كثير عليكم، أيها المتنفذون، الخائضون في جدل ووحل الولاية الثالثة بحماس، لا تظهرون عشر معشاره لتلبية مصالح الناس، وحماية أرواحهم وتأمين حقوقهم المشروعة؟ وهل ستنطلقون مصرين على السير في ذات الطريق غير المشرف الذي سلكتموه طيلة السنوات الماضية؟
سيكون الشعب والتاريخ لكم بالمرصاد، إذا لم تغيروا نهجكم وطريقة تفكيركم!