حصان الخليفة

تفقد أوضاع الرعية والوقوف على احتياجاتهم ، ومطالبهم كان واحدا من الأساليب السائدة في زمن إدارة الدولة من قبل الخلفاء والسلاطين والأمراء والملوك ، فيقومون بجولات ليلية متنكرين مع حاشيتهم  يجوبون الأزقة ، مع عناصر حماية تكون عادة خارج المشهد وتكتفي بالمراقبة من بعيد ، لكي لاتثير الشكوك ، وتفضح اللعبة ، وللكاتب  السوري الراحل سعد الله ونوس مسرحية بعنوان "الملك هو الملك" ، تناول فيها شخصية الحاكم ، سواء أكان متنكرا او اختار له بديلا ليشغل منصبه ليوم واحد فقط لتبديد الملل ومعالجة الضجر ، فكانت  النتيجة ان الاثنين ، الحاكم  الأصيل ، ومن شغل عرشه بشكل مؤقت ،  يشتركان بصفة واحدة هي الاستعانة بالسياف في لحظة بروز اي تهديد  يستهدف زحزحة العرش وصاحبه سواء صدر من جهة او شخص اطلق  صرخة احتجاج مطالبا بإنصاف الرعية ،  بتطبيق العدالة والمساواة  كما وردت في قوانين السماء .
في الذاكرة الشعبية  العراقية  قصة  عن احدهم ادعى انه "ملك زمانه " حاول تقليد أسلافه في التنكر وتفقد أحوال الرعية وفي الليلة الاولى ، خرج بمفرده  رافضا اصطحاب المستشارين والمكلفين بحمايته وأثناء تجواله في خرائب مملكته ، قاده حصانه الى مستنقع عميق ، فاستنجد بأهالي الحي القريب ،لإنقاذه ولبى النداء من سمع الصوت ، لكنهم لم يصدقوا ان طالب النجدة صاحب الجلالة ، فطلبوا منه الكف عن انتحال هذه الصفة لمساعدته ، وفي حال إصراره على انه "ملك زمانه" سيبقى في المستنقع حتى الصباح ، وتنتهي القصة  بتعرف رجل كان يعمل سايس خيول، على  الحصان فطلب من المتجمعين النزول الى المستنقع وحمل الملك على رؤوسهم، لتفادي العواقب الوخيمة.
القصة من  نتاج الخيال الشعبي وعلى الرغم من انحيازها الى الحاكم على حساب المحكوم  في المواقف الحرجة ، إلا أنها تتضمن  دلالات سخرية تعبر عن الرغبة في التشفي وسرعان ما تتحول الى موقف اخر ، لتجنب العقاب المحتمل،  وبمرور الزمن انحسرت ممارسات تفقد أحوال الرعية ، وبتحويل رجال العسس الى  عناصر جهاز الأمن السري ، وكتابة التقارير اليومية ورفعها الى الجهات العليا ، انتفت الحاجة الى القيام بجولات تفقدية  بوجود  جهات رسمية مكلفة بإيصال  كل قضية كبيرة وصغيرة الى صاحب القرار لاتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجتها ، بأسرع وقت ممكن .
السيارات المدرعة ، والقوات المدججة بأنواع الأسلحة المتطورة المدعومة بالغطاء الجوي  من الطائرات المروحية   والمقاتلة  شغلت موقع "حصان الخليفة " لكن صاحبه المقيم في قصر داخل المنطقة المحصنة ، وربما لسماعه قصة ملك زمانه وسقوطه في المستنقع  ، فضل ادارة شؤون العباد من بعيد  والاستعانة بدول خارجية ، ولاسيما انه يسمع أصواتا تنطلق من الداخل والخارج تحذر من   انحدار البلاد  نحو  منزلق خطير ،ستجر الخليفة وحصانه الى المستنقع العميق .