علي غيدان.. سوابق وأدوار خيانية أخرى؟

لأننا لا نملك حكومة بأي معنى ولا دولة بأي معنى، فعلينا ان نراجع الحقائق باستمرار وننظر ما تفعله الدول والحكومات الطبيعية تجاهها، لكي لا نغرق فيما تفعله حكومتنا المزيفة في دولتنا الكاريكاتيرية، ونعتبره مع مر الزمن "طبيعياً" (أي "نطبعه" قسراً في رؤوسنا) وننسى كيف يفترض أن تكون الأشياء في الدول الحقيقية فنغرق في ذات البحر من الوهم الذي يغرق فيه ما يسمى "العراق" – ذلك الزومبي الذي تركه الإحتلال يتنفس مشلولاً في انتظار ذبحه، ولا يحرك ساكناً رغم رائحة الدم التي تملأ المكان! 

 

في "الدول"، تقوم الحكومة عند حدوث ما يسمى بـ "خيانة عظمى" بالقبض على الخونة إن استطاعت، والتحقيق معهم وإجبارهم على كشف من يقف وراءهم وكشف الخيانات الأخرى التي سبق لهم القيام بها، ثم الحكم عليهم بأقسى الأحكام التي تتوفر في قانون العقوبات في تلك الدول، وهي غالباً الإعدام شنقاً حتى الموت، جزاءاً لخيانتهم والدم الذي اريق بسببها والضياع الذي تسببت به، ويعلن ذلك رسمياً وبأوسع نطاق لكي يكون عقابهم المخيف رادعاً لكل نفس ضعيفة تقف مترددة امام نفس الخيارات المدمرة للبلاد والشعب. .. 

 

أما ما يحدث عندنا فنقرأه في الخبر التالي بوضوح: "احالة قائد القوة البرية الفريق الاول الركن علي غيدان الى التقاعد"! (1)

يقول الخبر: "كشف مصدر مطلع في وزارة الدفاع، السبت، عن إحالة قائد القوة البرية الفريق الأول الركن علي غيدان الى التقاعد. وقرر القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، في (17 حزيران 2014)، إعفاء قائد عمليات نينوى الفريق مهدي الغراوي ونائبه اللواء عبد الرحمن حنظل ورئيس أركانه العميد حسن عبد الرزاق." .. إنتهى الخبر. 

 

المقارنة مع دول البشر توضح لنا اننا نحيل خونتنا على التقاعد و "نعفيهم" من أعمالهم لكي يسافروا إلى الخارج ويتمتعوا بقية حياتهم بالملايين أو عشرات الملايين التي استحقوها نتيجة تدميرهم للبلاد! 

وإننا بدلاً من أن "نجعلهم عبرة لمن اعتبر" فإننا نطمئن بهم بقية الخونة الذين ينتظرون أدوارهم للإنتقال إلى النعيم بفارغ الصبر. وإذا تردد أحد هؤلاء الجدد في تسليم مدينة جديدة مستقبلاً، فسيتاح لأسياده أن يطمئنوه بما حدث لمن سلموا الموصل، وربما يأتوهم بفيديو يبين الرخاء الذي يعيشونه في الخارج. إن حكومتنا بدلاً من أن تصدر بياناتها وأخبارها حول هذا الموضوع من جهة رسمية حكومية أو قضائية، فإنها تترك الأمر لوسائل الإعلام التي تعمل لحساب الإحتلال لنقل الخبر عن "مصدر مطّلع"! مصدر مجهول لا يعرف أحد حقيقة وجوده وإن كان كائناً بشرياً أم شبحاً من الجن. 

ولا تتصوروا الموضوع يتعلق بالغباء، فهو مدروس بدقة وفق قدرات وأدوار الحكومة وأعضائها، والهدف كله يتعلق بإصدار الضوضاء اللازمة التي تبدو مناسبة للحدث، بدون أية ردود أفعال فعلية. وهذا النسب إلى الأشباح، الذي يتركنا لا نعرف حقيقة الخبر من كذبه، قد يكون بالون اختبار إعلامي مدروس، يكشف للحكومة مدى رد الفعل الشعبي وهل هدأت مطالبه بالإنتقام من الخونة، أم أنها مازالت بحاجة لبعض الوقت، وربما المزيد من الضوضاء؟ فإن لم يحدث شيء، مر الأمر بسلام كما يقول الخبر، وإن شعرت الحكومة بشيء من الحركة، فستسارع لإنكار الخبر مجهول الهوية وتطالب وسائل الإعلام "بالحرص على الحقيقة" (دون أن تعاقب أحداً)، وتنتظر فترة أخرى، وأحداثاً أخرى تلهي الناس عن تلك الفضيحة بفضيحة طازجة اخرى.. 

 

كل هذا غباء؟ كل هذا إهمال؟ كل هذا "عدم خبرة"؟ كل هذا فساد؟ أم كل هذا "طائفية"؟ .. هناك أوصاف أكثر إقناعاً من كل هذا، سنتركها للقارئ ونحاول أن نقوم بما تركته الحكومة من واجبات: التحقق من الأخبار ومراجعة الأحداث والتحقيق بها، فمن لا حكومة له توجب عليه أن يقوم بدور الحكومة بنفسه، وكثرما يحدث هذا في زمن "رجل المرحلة". 

 

أول ما يخطر ببالنا هو القلق من تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً، فمن جند غيدان والغراوي وكنبر قد جنّد غيرهم بلا شك، فالسؤال الأول: من هم الباقين وكيف نعرفهم؟ ما الذي فعله العملاء الثلاثة في الجيش وهل سبقت خيانتهم هذه خيانات لم ننتبه لها؟ 

يكتب حسن الخفاجي تحت عنوان "الانهيار: المالكي وصدام نقطة التقاء"(2)

"منذ أن تولى السيد المالكي مسؤولية قيادة  البلد والجيش وهو لا يستمع إلا لعبود كنبر وعلي غيدان ، من فشل إلى فشل ومن إخفاق إلى آخر .عوقب وابعد ضباط أكفاء . ظل ثنائي كنبر وغيدان هو من يقترح تعيين القادة والآمرين ومعاقبة آخرين والمالكي ينفذ كل ما يقررانه. كل القادة الذين هربوا وتركوا وحداتهم تم تعينهم بمقترحات من الثنائي كنبر وغيدان .

ان البطولات الإعلامية ، التي ميزت أداء قادة وأمرين ، لا يتحركون إلا والكامرات ترافقهم ، عقدوا تؤمه مع الشاشات ، لم تغادر انجازاتهم ابعد من عدسة الكامرات التي صورتهم. حصلت انهيارات أمنية في ذات المناطق التي تحدثوا عن انجازات عسكرية فيها قبل ساعات من وقوع الانهيار، لو كانت انجازاتهم وما حققوه حقيقيا لما حصل الانهيار." 

"السيد المالكي أسهم وساعد بحصول ما حصل ، ..عبود كنبر اخفق في قيادة عمليات بغداد ، بعدها نقل إلى منصب أعلى !." ليقول بأن المالكي اعتمد على توزيع المنح والرتب والأراضي ليكسب القادة لنفسه ثم يؤكد "توزيع المنح المالية الكبيرة والرتب والأراضي لكبار القادة العسكرية سياسة لم تنفع صدام ولم تحافظ على حكومته. لماذا يعيد السيد المالكي تشغيل عقارب ساعة صدام؟ لقد منح السيد المالكي الهبات والرتب الإضافية وقطع اراضي ثمينة في أغلى مناطق بغداد وزعها لقادة عسكريين متخمين من رواتب الجنود الفضائيين ورشا وغيرها من أموال الفساد والسحت." 

ثم يقول: "طالبت السيد رئيس الوزراء أكثر من مرة  بالتحقيق في أملاك كبار قادته العسكريين والأمنيين، ليتبين له مدى الفساد الذي نخر كل وحدات الجيش والقوى الأمنية." 

وينقل الخفاجي عن روسو قوله "أعطني قليلا من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشا من اللصوص"، ونحن نقول : "ضع بضعة عملاء على رأس الجيش، وسينهار هذا الجيش أمام عصابة صغيرة". 

 

لا ندري مدى دقة ما أشار إليه الخفاجي، لكنه بالتأكيد مخطئ في مقارنة المالكي بصدام في نقطة أساسية في هذا الموضوع: وهي أن صدام يوزع بالفعل الأراضي والرتب، لكن عندما يخون الجيش أحد، فهو يعلم أن "جلده يروح للدباغ"... أما المالكي، فـ "يعفيه من منصبه" و "يحيله على التقاعد"، وتتكرر الفضائح ويزداد تحطم البلد، والمالكي يكتفي ببعض الضوضاء في كل مرة! إنه يشعر بأن الشعب يكتفي كل مرة بتلك الضوضاء فيكتفي هو بتقديمها له. 

 

دعونا لا نكتفي بتلك الضوضاء ونراجع بعض ما نعرفه عن أحد أهم هؤلاء الخونة الذين اضاعوا الموصل - قائد القوات البرية الفريق الأول الركن علي غيدان، ولننظر على ضوء المعلومات التي تكشفت، ما يمكن ان يكون قد قام به من أدوار في أماكن أخرى تواجد فيها مثل الحويجة والأنبار. فنحن الآن امام شخص نعرف أنه يعمل لحساب جهة خارجية تريد تحطيم العراق وكونه قد افلت برأسه ويتحدث بكل وقاحة عن "تهديد للوطن وسمعه الجيش"(3) لا يغير في هذه الحقيقة شيئاً، بل يكشف أن الإختراق أعلى من "قائد القوات البرية" ذاته! 

 

لا يستبعد بالفعل أن يكون غيدان هو شخصياً قد قام بتدبير القتل في الحويجة لتأجيج الموقف ولتحطيم العراق وإعطاء الحجة لـ "رفاقه" في الجانب الآخر لكي يستدعوا التدخل الأجنبي في البلاد(4)، مثلما حدث في ساحة اعتصام الفلوجة بعد أن فضح فلم الفيديو استفزاز الجيش للمعتصمين بخروج جندي يطلق النار عليهم، فهل يعقل أن ذلك الجندي كان يعمل لوحده وبدون أوامر أو تغطية؟ أم أمره غيدان و "رفاق" غيدان في خلايا داعش في الجيش ، كجزء من مهمتهم في إثارة الناس في تلك المناطق ضد الحكومة، وإثارة الناس في المناطق الأخرى ضد تلك المناطق فيشتعل العراق؟ (5)

 

ولماذا رفض غيدان بالتعاون مع “لجنة تقصي الحقائق في أحداث الحويجة” التي انشأت ضمن السعي لكشف الحقائق ودرء الفتنة، ورفض الإدلاء بشهادته فيها (مع وزير الدفاع) (6) رغم سقوط عشرات الضحايا، وكان هو من أهم المتهمين بالمسؤولية عن الأحداث، وهو يعلم أن المنطقة مليئة بالمندسين في المعتصمين وبدون شك في الجيش أيضاً؟(7) 

أم أنه كان يخشى بالذات أن تطفأ الفتنة؟ لا تستغربوا قسوة التهمة، ولا تنسوا أننا نتعامل الآن مع عميل لداعش سلمها الموصل مع سبق الإصرار والترصد، ومن الطبيعي أن نعتبر أن كل تصرفاته في الماضي كانت موجهة أيضاً من خلال داعش وأسياد داعش. ولو أن المالكي أمر بالتحقيق الحقيقي معه على خيانته الواضحة في الموصل، لتم إعدامه بالشنق وليس بالرصاص، ولرأى الجميع أن هذه الأسئلة طبيعية ومشروعة، وإهمال المالكي للإجراء الطبيعي، لا يغير من حقيقة غيدان! 

 

وبنفس الطريقة قبل أكثر من عام ولنفس اسباب احتلال كركوك اليوم، رأينا القوات الحكومية تنسحب من المناطق الغنية بالنفط جنوب وغربي كركوك لأسباب غير مفهومة، وبينما يقوم غيدان للإفلات من العقاب ، بالتظاهر بالغضب من ا لبيشمركه وتحميلها المسؤولية (8) ، تدخل البيشمركة كركوك ويكتفي غيدان بإحداث بعض الضوضاء، (9) وكذلك تستلم البيشمركه المهام الأمنية في الحويجة، وتقدم نفس التبريرات (حماية أرواح وممتلكات المواطنين).(10) وتبارك الولايات المتحدة الإحتلال وتعد بتقوية التعاون العسكري مع كردستان (11) وتحدث مسرحية اتهامات بين غيدان والبيشمركة لإبعاد الشبهة عن تآمرهما في القضية، فيصرح غيدان ان احتلال البيشمركة لحقول النفط يعد "تطوراً خطيراً" ، وترد عليه البيشمركة بأنه يحاول التغطية على القتل في الحويجة. (12) كذلك تقوم وزارة الداخلية بإصدار بعض "ضوضاء" الإحتجاج الرسمية المكملة. (13) ويبدأ بارزاني لعبة التهديدات و “البلف” فيضع أمام الحكومة ثلاثة خيارات أحدها الحرب! (14) فيكسب كل من برزاني والحكومة "شعبية" إضافية بين ناخبيهما، ثم وفجأة تطوى الصفحة، وبدون أي تأخير يتفقان على حل كل المشاكل بينهما!! (15)

 

وهكذا اكتملت المسرحية اليوم في فصلها الثاني، وتم امتصاص غضب الناس بالأغاني(16) وضاعت آبار نفط كركوك ثم كركوك كلها والموصل، وكأن شيئاً لم يكن!

 

كل هذه المؤشرات وتكرار ذات الأدوار والنتائج، تجعل الخيانة واضحة والرجل عميل مخضرم مكشوف قام بأكثر من جريمة من نفس النوع، ومن يتستر عليه أو يحاول حمايته إنما يعمل معه ولحساب نفس السادة! في المرة الأولى لم يحاسبه أحد ويسأله على أي أساس ترك الجيش مناطق النفط لتحتلها قوات البيشمركة، ومن المسؤول عن ذلك، ووجد نفسه في بلاد الواق واق، بلا حكومة وبلا دولة، فتشجع وقام هو وشلة وضيعة من أمثاله ممن حقنهم الإحتلال في قيادات الجيش وقام بتدريبهم ليعملوا لحسابه وحساب ذيوله، وهاهم يسلمون الموصل لداعش وكل كركوك للبيشمركة ويخرجون بمباركة رئيس الحكومة محالين على التقاعد ليقبضوا ملايينهم ويعيشوا بقية حياتهم براحة وهناء، ويكونوا "عبرة لمن يتردد" في الخيانة! 

 

ما جرى سوف يشجع بقية ضعاف الأنفس فينتظروا دورهم ليكون من نصيبهم مثل هذا الهناء، بينما ينتظر العراق المصيبة التالية مشلولاً بحكومة الضوضاء والمسرحيات! 

إن المشكلة في رأيي لن تحل حتى يشعر أعلى رأس في الحكومة بأنه هو ذاته مهدد بتهمة الخيانة العظمى إن استمر في ما يقوم به من تمرير الخونة بسلام وتحطيم البلاد! حتى تصل مثل تلك الرسالة إلى ذلك الرأس فسيبقى العراق يدفع الثمن تلو الثمن، ويسير بخطى حثيثة نحو تمزقه وتحوله إلى مركز تفريخ للإرهابيين الذين تديرهم الموساد، أسوة بمن سبقه في هذا الطريق! لا تعجبوا من ذلك، فقد كان استيلاء داعش على الموصل أعجوبة يصعب تصديقها قبل بضعة أسابيع!

 

دعونا نمتنع عن الغرق في سريالية العراق غير المعقولة الإستسلام وندور في حلقة الهذيان التي تلفه فننسى أننا بشر ومن حقنا أن ندافع عن أنفسنا وكياننا ودولتنا، لا أن نسبح في ذات الشلل واختلال المقاييس الذي يسيطر على الحكومة ويتيح للخائن أن يكرر خيانته مرات ويفلت بثمنها. دعونا نراجع الحقائق باستمرار ونري لمن يريدنا أن ننسى، وأن نضيع في الضوضاء، أن ذاكرتنا قوية وتحليلاتنا بعيدة عن الوهم ومطالبنا بعيدة عن الخنوع وإننا ككل بقية البشر في الأرض، لن نسمح لأحد مهما كان، مهما كان، أن يحطم العراق، ومن سيحاول، سيدفع الثمن غالياً جداً!