الكاتب محمد كمال جبر نورس فلسطيني آخر يودع الدنيا.. شاكر فريد حسن

فقدت الأوساط الأدبية والثقافية الفلسطينية ، هذا الأسبوع ، الكاتب محمد كمال جبر ، احد  نوارس الأدب والمسرح والكتابة للطفل في الوطن المحتل ، ومن الأسماء البارزة في حقول الإبداع ، الذي غيبه الموت اثر عارض صحي لم يمهله طويلا .

ينتمي محمد كمال جبر إلى الجيل الأدبي الفلسطيني الذي ظهر على الساحة بعد الاحتلال عام 1967 ، وساهم في تأسيس وبلورة حركة ثقافية وأدبية ملتزمة مقاومة وملتحمة بحركة الجماهير ، جيل علي الخليلي واسعد الأسعد وجمال بنورة وأكرم هنيه وعادل الاسطة واحمد رفيق عوض وفخري صالح واحمد حرب وسامي الكيلاني وغيرهم الكثير .

عرفنا الراحل محمد كمال جبر من خلال نصوصه المسرحية التي كان ينشرها في المجلات الثقافية والملاحق الأدبية الأسبوعية الفلسطينية كالبيادر والفجر الأدبي والكاتب والشعب والطليعة ، ومن خلال أعماله التي أصدرتها دور النشر الفلسطينية ومنها الكاتب ودار الأسوار العكية .

محمد كمال جبر من مواليد العام 1948 في كفر سابا ، نزح مع عائلته وهو طفل  إلى مخيم بلاطه بنابلس ، فعاش تجربة المخيم ، وعاني ما يعانيه أبناء المخيمات من بؤس وشقاء وقهر وفقر مدقع ، وفيه أتم دراسته الابتدائية ثم أنهى الثانوية العامة في نابلس ، وبعد ذلك التحق بالجامعة الأردنية وتخصص في الرياضيات ، عاد بعدها للضفة الغربية ومارس التدريس في مدارس وكالة الغوث ، وأسس بعد عودته مع مجموعة من مثقفي نابلس أول تجمع مسرحي فيها هو "مسرح الزيتون" ، ووظف الفن المسرحي في خدمة القضايا الوطنية وخصوصاً في مرحلة الانتفاضة الأولى ، ولكن المسرح أغلق من قبل سلطات الاحتلال بعد فترة وجيزة .

 كان محمد كمال جبر من مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، وبعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية التحق باللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وبقي يعمل فيها حتى تقاعده قبل سنوات .

عرف جبر بغزارة إنتاجه المسرحي وخاصة للأطفال والفتيان ، وبعد تقاعده تولى رئاسة تحرير مجلة "وعد" الصادرة عن حركة التحرير الوطني الفلسطينية والمتخصصة بشؤون الأطفال .

صدر لمحمد كمال جبر مجموعة مسرحيات وقصص قصيرة للأطفال والكبار وهي : " لا بد أن ينزل المطر " ، محاكمة الكبار ، الذئاب والمدينة " – عن دار الكاتب في القدس عام 1978 ، و"شوال طحين " (مجموعة قصصية 1980) ، و"زياد والعصافير" (قصة للأطفال  1980) ، و"نعمة الحياة " ، و"رقصة خلد" و"سقوط القلعة " ، و"التحدي" و"فاطمه والقطة" (قصص للأطفال) ، و"على باب السلطان " (مسرحية للأطفال) و"حريق الفصول " . وله أيضاً مجموعة شعرية بعنوان "حريق الفصول " صادرة عن منشورات اتحادات الكتاب العرب 1999، وكتاب "المثل الشعبي الفلسطيني " الصادر عن دار الجندي في القدس ، الذي يقول عنه : " لا أنكر أن المثل الشعبي قد فتح نافذة للمعرفة عندي ، فوجدتني أقرأ ما يقع بين يدي ، من كتب حوله ، وقد وجدت فيما قرأت نقصاً في الأمثال الواردة فيها ، أو لنقل أن كثيراً من الأمثال التي كنت أحفظها لم تكن موجودة فيها ، إضافة إلى أن بعضها كان يحتوي على أقوال ، أو حكم ، أو أحاديث دينية أو آيات من القرآن أو أسفار من الإنجيل . اعتقد أن هذا الكتاب استوفى معظم الأمثال الشعبية الفلسطينية الناجمة عن التجربة الجمعية الحياتية ، وليس كلها فالمجتمع مليء بالأمثال الشعبية التي تحتاج إلى باحثين آخرين يكملون المسيرة كما كنت آمل بمشروعي الثاني الاستزادة في البحث وجمع قصة كل مثل " .

تتميز كتابات محمد كمال جبر بتنوع موضوعاتها وبغنى مضامينها ، وارتباطها بالحياة الفلسطينية اليومية في ظل الاحتلال الجاثم ، وتجسيد لها ، وترتفع إلى مستوى المأساة فتلامس الجرح الكبير وتعكس الهم الوطني بفنية راقية . وشخصيات قصصه ومسرحياته مسحوبة من أرضية الواقع وتتلاءم مع الحدث وتنسجم معه .

محمد كمال جبر كاتب أصيل وملتزم مسكون بالهم والحلم والوطن الفلسطيني ، ترك أثره المميز في حصيلة الفن المسرحي والكتابة للأطفال . كانت حياته قصيرة إذا قيست بعمر الزمن ، غير أنها ضجت بعمق التجربة النضالية والتحررية الفلسطينية بغزارتها وثرائها ، وحفلت بالعطاء الغزير والنشاط الثقافي والإبداع الأدبي .

رحمك اللـه يا أبا حسن ، فالكل يشهد أنك كنت إنساناً نبيلاً وصادقاً ناكراً للذات ، ووفاتك خسارة للحركة الأدبية الفلسطينية ، وسنفتقدك في هذه الأيام الصعبة التي يمر فيها شعبنا ، شعب الجبارين . نم قرير العين مرتاح البال ، فالغد قادم وليل الاحتلال لا بد أن ينقشع ويزول ويبزغ فجر الحرية .