التمثيل العراقي تحت المجهر


1ـ التمثيل العراقي في الغالب تمثيل جاف وميكانيكي. بحيث لا يستطيع الممثل وهو يؤدي دوره أن يجعلك تشعر أنه شخص يعيش موقفا من مواقف الحياة في بيته أو في دائرته وانك قد اطلعت عليه صدفة من حيث لا يشعر . بل أنت تشعر دائما وفي كل أو أغلب المواقف التي تراها أنه الآن يمثل وأنه يؤدي دورا تلقينيا وان الكاميرات والمساعدون والمخرج يحيطون به.
على خلاف الممثل المصري والخليجي .. الذي يجعلك تنسى أنه ممثل ، بل تندمج أحيانا مع كلامه وطريقة أدائه فتنسى من حولك.
2ـ وهناك خلل واضح في تأدية الممثل العراقي لدوره ، من حيث طريقة كلامه مع الآخرين أثناء التمثيل. فمن المشاكل التي يمكن ملاحظتها بسهولة في كل أو في معظم المسلسلات والتمثيليات العراقية القديمة والحديثة (وخصوصا الرمضانية) ان الفنان لايفرّق بين دوره على المسرح وبين دوره في المسلسل او الفيلم. فعلى المسرح يحتاج الفنان ـ لسبب وآخر ـ أن يرفع صوته وأن يتحدث بطريقة التفهيم .. ولكن يختلف الأمر في المسلسل ، فينبغي أن ينتبه الفنان إلى أنه يريد أن يعطي للمشاهد انطباعا أنه يتحدث في جوّه الخاص الذي قد لا يطّلع عليه أحد ، فهو إما في خلوة مع زوجته أثناء المشهد ، أو جالس في غرفته مع شخص مثلا ، أو كان متحدثا مع شخص في زاوية من زوايا الجامعة أو السوق ..إلخ .. فلا يجوز ان يؤدى الكلام بطريقة (الصياح) والإلقاء الميكانيكي المتكلّف الخالي من الحميمية والمشاعر الإنسانية. ويمكن ان نشاهد أي عمل عراقي ونتذكر هذه الملاحظة .. والتي يظهر فيها الممثل العراقي متحدثا مع الممثل الآخر كما يتحدث معلم ضخم بدين عمره خمسون عاما مع تلميذ عصفور في الثالث الابتدائي .. رافعا صوته ، ضاغطا على الكلمات ، وبطريقة تفهيمية مزعجة وكأنه يشرح درسا في الفيزياء ، مما يزعج المشاهدين الباحثين عن الأحاسيس الدافئة والمشاعر الإنسانية.
3ـ من أكبر مشاكل التمثيل العراقي في المسلسلات والافلام (دون المسرح الذي لايعاني هذه المشكلة) هو أن الفنان العراقي يشعر بخجل واضح من التحدث باللغة الدارجة العامية. مع أن الممثل عادة يتحدث بها في بيته ومع زملائه. وقد يكون سبب الخجل أن الممثل يخشى ان يُنعت بانه متخلف ومعيدي وغير متحضر إذا كانت العامية لهجته أمام الناس على شاشة التلفزيون. 
ولهذا يصرّ بعض الممثلين على أن يتحدثوا دائما بالطريقة المتحضرة التي يستعملوا فيها كلمات فصيحة قدر الإمكان.
وهذا الخجل والإحراج من الممثل تجاه لهجته اليومية الدارجة جعله ركيكا أثناء التمثيل ، ففي مشهد يظهر وهو يتحدث باللهجة العامية وفي آخر يتحدث بالطريقة المتحضرة وفي المسلسل نفسه !! فيشعر المشاهد بنشاز وتفكك في بنية ونسيج القصة. بالإضافة الى انك ترى في نفس المسلسل وفي نفس البيئة (دائرة او بيت مثلا) أن ممثلا يتحدث عامي وآخر يتحدث شبه فصيح مع إنهن أحيانا أخوات في نفس الجامعة !! 
وعلى اية حال فإن فنانين مثل جلال كامل وحسن حسني ، وهند كامل وهديل كامل وأمهما فوزية الشندي ، قد اختاروا التحدث بما يشبه الفصيح في كل الأدوار وانتهى الأمر. واختار غيرهم التحدث باللهجة العامية على الدوام .. وهنا من لم يحسموا امرهم .. ومن الواضح أن البيئة المراد عكسها في التمثيل لها دور بارز في اختيار اللهجة. 
وهنا ملاحظة مهمة وهي أنني ضد الإصرار على التمسك بألفاظ هجرها المجتمع ولم يعد يتحدث بها من قبيل (قندرة ، وجرخ...إلخ) التي يصرّ بعض الممثلين ان يتحدثوا عندما يظهرون خلال المسلسل على أنهم شباب بغداديون من العاصمة !! 
وينبغي ان تكون عاميتنا متطورة مع الزمن ولكن ليس إلى الحد الذي يظهر فيه البعض متعاليا متصنّعا ومتعجرفا كأنما يتكلم من أنفه.
وعلى أية حال فإنني أتمنى ان تُدرس هذه المشكلة لأننا لا نجد الفنان الكويتي او المصري او السوري او اللبناني يأنف من لهجة بلاده ، فعلام يأنف ويخجل الممثل العراقي من التحدث بنفس الطريقة التي يتحدث بها في بيته مع أنه ممثل يريد أن يعكس الحقيقة.
4ـ لايخلو الواقع التمثيلي والوسط الفني من ممثلين كفوئين لهم قدرهم وتأثيرهم وهؤلاء نحييهم ونكن لهم التقدير ونأمل أن يقتدي بهم الآخرون.
5ـ نؤكد أن للفن دور كبير وفاعل في تطوير الواقع والتأثير فيه ، ومن هنا كانت لنا مثل هذه الملاحظات في زمن الدموع والدم .. فكلما تطور الفن كلما استطعنا إقناع الناس بأهدافنا وبقيمنا ومبادئنا. ولقد شاهد العالم العربي كله مسلسل (باب الحارة) وتعرف عن كثب على عادات وتقاليد وبطولات سوريا البلد الذي كان يعيش تعتيما منذ عقود ، وكم تأثر العالم العربي قبل عشرين عاما ببطولات مصر في (رأفت الهجان) وغيرها.
فلا عيب اذن ان نتحدث عن فننا وعن تمثيلنا وعن اعلامنا في زمن يؤثر فيه الفن كل التأثير على عقول الناس وأخلاقهم.