الولاية الثالثة في مهب الريح..

وضعت جلسة مجلس النواب العراقي التي عُقدت اليوم الولاية الثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي في مهب الريح إن لم نقل إنها ذهبت أدراج الرياح. فإنتخاب حيدر العبادي لمنصب نائب رئيس المجلس قلص كثيرا من حظوظ المالكي في الأحتفاظ بمنصبه الحالي. فلقد جرت العادة على أن لا يتولى أي حزب او تيار منصبين سياديين في آن واحد وخاصة إذا كان أحدهما واحدا من المناصب الرئاسة الثلاث أي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء.

ففي الدورة الأنتخابية السابقة تولي رئاسة الجمهورية جلال الطالباني عن الأتحاد الوطني عضو كتلة التحالف الكردستاني فيما تولى الحزب الديمقراطي الكردستاني نيابة رئاسة البرلمان ونيابة رئاسة الوزراء فضلا عن وزارة سيادية واحدة هي الخارجية . واما على صعيد رئاسة البرلمان والتي فاز بها أسامة النجيفي فإن صالح المطلك المنتمي لجبهة الحوار فاز بنيابة رئاسة الوزراء فيما أصبح طارق الهاشمي بمنصب ئيس الجمهورية.

واما على صعيد التحالف الوطني فقد فاز المالكي برئاسة الوزراء وحصلت كتلة مستقلون على نيابة رئاسة الوزراء واما مرشح التيار الصدري قصي السهيل فقد أصبح نائبا للبرلمان فيما تولى عادل عبدالمهدي منصب نائب رئيس الجمهوري وأما مرشح حزب الدعوة تنظيم العراق فقد تولى منصب النائب الثاني. واليوم ومع فوز حيدر العبادي بمنصب النائب الثاني فقد تبخرت آمال المالكي في الفوز بولاية ثالثة. لأن حيدر العبادي قيادي في حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي ولا يمكن لحزب أن يتولى رئاسة الوزراء ومنصب سيادي آخر.

فرئاسة الوزراء إذا ما تم التوافق على إعطائها لكتلة دولة القانون فلابد من ان يتولاها عضو من كتلة مستقلون او كتلة بدر. فيما ستعطى باقي المناصب السيادية كمنصب نائب لرئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية لباقي مكونات التحالف الوطني الكبيرة أي المجلس الأعلى والتيار الصدري. وتبدو وفق هذا السيناريو أن حظوظ عادل عبدالمهدي في تولي منصب رئيس الجمهورية كبيرة ويبدو احمد الجلبي مرشحا توافقيا بين المجلس والتيار لتولي منصب نائب رئيس الوزراء. فيما سيتولى مرشح للحزب الديمقراطي الكردستاني منصب نائب رئيس الوزراء ومن المحتمل بقاء روز نوري شاويس في منصبه, واما نيابة رئاسة الجمهورية فسوف تذهب لكتلة متحدون فيما ستتولى كتلة الحوار منصب نائب رئيس الوزراء.

واما إذا فشلت دولة القانون في تقديم مرشح للمنصب يحظى بمقبولية لدى القوى السياسية الأخرى فلابد حينها من ان يرشح التحالف الوطني شخصية اخرى تتمتع بمقبولية وطنية واسعة. وهنا يطرح إسمان وهما الدكتور أحمد اولجلبي والسيد باقر جبر الزبيدي. وكلاهما يتمتعان بكفاءة ومهنية عالية وبقبولية وطنية واسعة. غير أن حظوظ الجلبي تبدو اكبر لكونه شخصية توافقية بين المجلس والتيار فضلا عن مقبوليته لدى باقي مكونات التحالف الوطني, فضلا عن علاقاته الجيدة بالكرد ولاتحفظ عليه من القوى السنية .

وماحصل اليوم في قبة البرلمان عندما اعلن الجلبي ترشيح نفسه لمنصب نائب رئيس البرلمان وهي الخطوة التي أطارت صواب اعضاء دولة القانون وفي ذات الوقت أحيت آمالهم لبرهة في بقاء المالكي في منصبه, أزاحت النقاب عن العديد من المور. فالجلبي وبخطوته الذكية هذه وضع إئتلاف دولة القانون امام الواقع الذي طالما تهربوا منه. فنواب دولة القانون وحلفائهم لم يصوتوا لمرشحهم للمنصب حيدر العبادي , بل صوتوا أجمعهم لصالح الجلبي معولين على فوزه بالمنصب وبالتالي إحياء آمالهم في بقاء المالكي في منصبه.

ومع ظهور نتائج التصويت تبين ان إئتلاف دولة القانون كان وحيدا في الميدان وان جميع القوى السياسية الأخرى تقف في خندق وهو في خندق آخر وهو ما يعني بعبارة أخرى أن أي مرشح يطرحه إئتلاف دولة القانون بمعزل عن التحالف الوطني سوف لن يفوز إلا بأصوات الأئتلاف لاغير. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن تصويت القوى السياسية الأخرى لصالح حيدر العبادي أوصل رسالتين لأئتلاف دولة القانون وللتحالف الوطني. فاما الأولى فهي للسيد المالكي ومفادها لايمكنك البقاء بمنصبك لأنك لن تحظى بثقة النواب ولأنه لايمكن لحزب أن يجمع منصبين سياديين في آن واحد.

واما الرسالة الأخرى فللتحالف الوطني ومفادها ان القوى السياسية ترحب بالجلبي رئيسا للوزراء وهي الرسالة التي أراد الجلبي بهذه الخطوة الذكية إيصالها للمالكي وأتباعه. لقد كانت ضربة معلم بحق وضعت احلام المالكي في مهب الريح غير أن عزاء المالكي اليوم هو في فوز حيدر العبادي لأن هذا المنصب يعطيه ضمانة من الملاحقة القضائية ورفع الحصانة البرلمانية لمدة اربع سنوات تمهيدا لمحاكمته, طالما ان أعضاء هيئة رئاسة المجلس يتمتعون بحق الفيتو.