حكام المنطقة العربية عادة ما ينتهي بهم المطاف بقفص الاتهام بانتظار حكم الإعدام شنقا حتى الموت ، او الانضمام الى منتدى المخلوعين والتفرغ لكتابة المذكرات، او القتل برصاصة جندي بأوامر من قائد الانقلاب العسكري ، او بعملية اغتيال بتخطيط جهات اجنبيه وتنفيذ محلي ، وفي كل الأحوال تعددت الأسباب والموت واحد، اما سعيد الحظ من أصحاب الجلالة والفخامة ، فأمامه طريق واحد للحفاظ على حياته وممتلكاته وأمواله في الخارج بقبول وتحمل صفة "الرئيس المتقاعد ". في الأنظمة الديمقراطية خارج المنطقة العربية يوجد العشرات من الرؤساء المتقاعدين ، لا يتمتعون بأية امتيازات ، فبعد ترك مناصبهم يعودون الى وظائفهم وأعمالهم السابقة فأعطوا درسا بليغا في الالتزام بمبدأ السلمي للسلطة لترسيخ الديمقراطية بوصفها تقليدا يمكن اعتماده في دول اخرى ، بتوجيه رسالة الى الأنظمة جديدة العهد بممارسة الديمقراطية بان تتبنى ذات التقليد لخدمة مصالح شعوبها ببناء دولة المؤسسات ، ثم تحقيق التنمية واحترام حقوق الانسان ، والاتفاق على دستور خال من مواد مثيرة للخلاف والجدل . الولايات المتحدة عقب غزوها للعراق أعلنت حرصها على إقامة نظام ديمقراطي ، وعلى الرغم من مرور اكثر من 11 عاما على الإطاحة بالنظام السابق ، ظلت الديمقراطية بنسختها العراقية تراوح في مكانها تعرقل حركة عجلتها الدوافع الطائفية ، وفشل الحكومات المتعاقبة في معالجة الملف الأمني ، وبروز خلاف سياسي تحول الى صراع للوصول الى السلطة . في السنوات الاولى من عمر "العراق الجديد " بحسب المتفائلين بنجاح العملية السياسية، طلب رئيس حكومة شغل منصبه ستة اشهر ، واصدر كتابا يستعرض فيه تجربته بالحكم ، الاحتفاظ بامتيازاته ، وحتى لقب دولة الرئيس مقابل سحب ترشحه لشغل منصب رئيس مجلس الوزراء ، ورئيس مجلس النواب في الدورة التشريعية الاولى وافق على تقديم استقالته بشرط احتفاظه براتبه الشهري ، وإقامته في منزل يقع على ضفاف نهر دجلة . الكثير من ساسة العراق يدعون بانهم رجال دولة ، ولطالما اعلنوا إيمانهم بالمشروع الوطني ونبذ الاصطفافات القومية والطائفية ، وائتلافاتهم وكتلهم، خير من يمثل الشعب في مجلس النواب ، واستنادا الى ما يعلن لابد ان يكون العراق نموذجا ديمقراطيا فريدا من نوعه ، لكن سرعان ما تبدد هذا الحلم ، وتحول الى أزمة خلفت أزمات ، لأسباب تتعلق بمدى الاستعداد لقبول منصب "الرئيس المتقاعد ". الامتيازات والوجاهة ومغريات السلطة ، والتمتع بصلاحيات واسعة لإصدار القرارات ، في ظل غياب برنامج ثابت لإدارة الدولة ، تدفع المسؤول العراقي الى تسخير جهود حزبه وائتلافه وتحالفه للحفاظ على موقعه ، لأنه يرى التخلي عن المنصب انتقاصا لشخصه ، لأنه اصبح بنظر حاشيته وبطانته رمزا وطنيا لايستحق لقب "الرئيس المتقاعد"والمصلحة الوطنية تتطلب وجوده على رأس السلطة الى يوم القيامة.
|