الجلبي والموقف البطولي

حفلت جلسة البرلمان العراقي، اليوم الثلاثاء، بحزمة مفاجآت من "العيار الثقيل"، وجاءت محملة بالرسائل السياسية، داخلياً وخارجياً، منها اضطرار رئيس الحكومة المنتهية مدتها، نوري المالكي، مغادرة عرين السلطة التشريعية، بناءً على طلب القيادي في الائتلاف الوطني، أحمد الجلبي، في مشهد يحمل رمزية عالية، فضلاً عن ترشيح نواب أنفسهم لرئاسة البرلمان ونيابته خلافاً للتوافقات السياسية.

ولم يكتفِ الجلبي بالمطالبة بمغادرة المالكي، بل قام بنحو مفاجئ بالخروج على "توافق" الكتلة الشيعية، عندما رشح نفسه لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، حيث نجح في منع حيدر العبادي مرشح حزب المالكي، من الفوز، ثم عاد وسحب ترشيحه لفسح المجال أمام انتخابه طبقاً للتوافق الأولي داخل التحالف الوطني، كاشفاً من خلال ذلك عن قدرة خصوم المالكي على تعطيل أي اتفاق ثانوي، ومبرزاً ثقل ائتلافه العددي في البرلمان.

وسيؤدي حصول العبادي على المنصب، إلى غموض بشأن مرشح التحالف الوطني لرئاسة الحكومة، إذ يستبعد كثيرون حصول كتلة المالكي على المنصبين معاً، فيما يردد معظم النواب أن ولاية المالكي الثالثة صارت بوضوح شديد "خارج الحسابات".

وأعلن رئيس مجلس النواب الأكبر سناً، مهدي الحافظ، عن فوز النائب سليم الجبوري رئيساً للبرلمان بالأغلبية، بعد حصوله على 194 صوتاً مقابل 19 صوتاً لمنافسته شروق العبايجي النائبة عن التحالف المدني، في حين فاز النائب عن حركة التغيير الكردية، آرام شيخ محمد، نائبا ثانياً.

وبعد تسلمه منصبه، فتح الجبوري باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وقام برفع الجلسة إلى الأربعاء المقبل، داعياً النواب إلى الإسراع بتشكيل اللجان لإقرار القوانين المهمة، لاسيما الموازنة الاتحادية.

وكان الحدث الأبرز خلال الجلسة، قيام نواب بترشح أنفسهم لرئاسة البرلمان ونائبيه خلافاً لـ"التوافقات السياسية" التي انشغلت الكتل السياسية بوضع لمساتها الاخيرة حتى ساعات متأخرة من أمس الاثنين،(الـ14 من تموز 2014 الحالي).

وأثار ترشيح النائب أحمد الجلبي، نفسه لمنصب النائب الأول لرئيس لبرلمان، جدلاً واسعاً بين الكتل السياسية، لاسيما داخل التحالف الوطني، الذي يبدو أنه حسم أمر ترشيح النائب حيدر العبادي، إذ أثارت خطوة الجلبي حفيظة أعضاء ائتلاف المالكي، (دولة القانون)، الذين طالبوا بانتخاب نواب رئيس البرلمان على مرحلتين.

وكشفت المداخلات التي أدلت بها النائبة عن ائتلاف المالكي، حنان الفتلاوي، ورئيس التحالف الوطني، إبراهيم الجعفري، عن خلافات شيعية حادة، وحالة من "الريبة والشك" داخل مكونات التحالف الوطني، حيث استخدم انصار المالكي تعابير "الغدر والخيانة" في تعليقهم على خطوة الجلبي.

ويقول النائب عن كتلة متحدون للإصلاح، فلاح حسن زيدان، في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن "منصب رئاسة مجلس الوزراء بات محصوراً داخل كتل التحالف الوطني التي سترشح مرشحها وتقدمه للكتل الأخرى"، لافتا إلى أن "المرجعية الدينية تضغط وبشكل كبير على التحالف الوطني لتقديم مرشحه للحكومة المقبلة".

ويضيف زيدان، أن "ترشيح المالكي لولاية ثالثة لم يعد وارداً داخل الاجتماعات والمباحثات التي تتم بين الكتل السياسية"، ويبين أن "موقف الكتل السنية واضحاً وصريحاً برفض الولاية الثالثة لنوري المالكي".

ويتابع عضو كتلة متحدون، برئاسة أسامة النجيفي، أن "توزيع مناصب رئيس مجلس النواب ونائبه الأول والثاني جاء وفقا للاتفاقات بين الكتل السياسية مقابل عدم ترشيح المالكي لولاية ثالثة"، ويستطرد أن "التحالف الوطني لم يقدم بعد مرشحه لرئاسة الحكومة وننتظر منه حسم هذا الموضوع بسرعة".

بالمقابل تشدد كتلة المواطن، التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، بزعامة السيد عمار الحكيم، على "وجود رغبة كبيرة من قبل المرجعية الدينية لتغيير الحكومة"، وتبين أن "جميع الكتل السياسية متفقة على عدم إعادة انتخاب المالكي على رأس الحكومة المقبلة".

ويقول عضو كتلة المواطن، سليم شوقي، في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن "أيّ توافق بين الكتل السياسية على توزيع المناصب أو الرئاسات الثلاث لن يكون ناجزا مع وجود ولاية ثالثة للمالكي"، ويضيف أن "التفاهمات الأخيرة التي حصلت داخل التحالف الوطني والقوى الأخرى افضت إلى مرشح بديل عن المالكي".

ويكشف شوقي، عن "اتفاق أولي بين كتل التحالف الوطني مع دولة القانون، يقضي بتقديم مرشح بديل يختاره المالكي لمنصب رئاسة الحكومة شرط أن يحظى بالمقبولية الوطنية"، ويستدرك "في حال عدم تحقق هذا وضرب هذه الاتفاقيات عرض الحائط، فان ذلك سيعرقل العملية السياسية ويشق صف التحالف الوطني".

وبشان السيناريوهات المطروحة في حال قيام المالكي بنقض الاتفاقيات المبرمة مع التحالف الوطني يقول شوقي، إن "الائتلاف الوطني (المجلس الأعلى والأحرار وحلفاؤهم)، سيقومون عندها بتشكيل كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة".

وفي السياق ذاته، تؤكد عضو كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، النائبة نجيبة نجيب، أن "الجميع على علم بأن الدورة الثالثة للمالكي لا تصب في خدمة العراق"، وتكشف عن أن "ترشيح سليم الجبوري ونائبيه لرئاسة البرلمان كانت مشروطة بعدم ترشيح المالكي لولاية ثالثة".

وتضيف نجيب، في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن "بقاء المالكي لولاية الثالثة يعني إعاقة العملية السياسية"، وتطالب بضرورة "إيجاد حلول واقعية للازمات المتراكمة للعراق".

وتؤكد النائبة عن حزب بارزاني، أن "التحالف الوطني حسم أمر مرشحه البديل عن المالكي وعليه تقديمه في أسرع وقت ممكن".

على صعيد متصل، تقول النائبة عن التحالف المدني، شروق العبايجي، في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن "كثيراً من النواب يريدون كسر حاجز الطائفية والمحاصصة الحزبية"، وتعد أن "سليم الجبوري يستحق منصب رئيس مجلس النواب، لكن ما حصل اليوم خلال عملية الاقتراع كان ممارسة ديمقراطية ودستورية أعطينا من خلالها الشرعية للجبوري كرئيس لمجلس النواب".

وتعتبر العبايجي، أن "الأصوات الـ19 التي حصلت عليها، لمنصب رئاسة مجلس النواب، كانت من نساء ورجال وبعضها تعود لشخصيات إسلامية"، وتبي أن "نظام المحاصصة الطائفية والحزبية في الدورات السابقة أثر سلباً على أداء البرلمان، ما يقتضي السعي في الدورة الحالي للقضاء على الممارسات الطائفية المخالفة للدستور".

وعقد مجلس النواب العراقي، اليوم الثلاثاء،(الـ15 من تموز 2014)، جلسته الثالثة من الدورة الرابعة للبرلمان برئاسة رئيس الأكبر سناً مهدي الحافظ، وحضور 207 نواب، ومقاطعة ائتلاف الوطنية بزعامة، إياد علاوي، حيث شهدت الجلسة انتخاب سليم الجبوري رئيساً للبرلمان، وحيدر العبادي نائباً أول لرئيس البرلمان، وآرام محمد علي نائباً ثانيا.

وقرر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، رفع الجلسة إلى الأربعاء المقبل، فيما أعلن عن فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية بدءاً من غد الأربعاء.