ديمقراطية التوافق السياسي في العراق

ان الديمقراطية في جميع دول العالم تمارس على اساس المواطنة حصرا بعيدا عن اي مؤثر وعنوان اخر كالقومية الدين والجنس وحتى الحكومات التي تشكل على اساس الانتخابات الديمقراطية في هذه الدول تعتمد على نتائج الحزب الفائز والحزب المنافس سيكون معارض لا حكومة شراكة وطنية ولا تمثيل للاقليات العرقية والدينية فيها...انظروا الى تجربة امريكا وبريطانيا فالحكم اما لحزب العمال او المحافظين ... للجمهورين او للديمقراطين ادوار متبادله في استلام السلطة والحكم يتداول بطريق سلمية مريحة ... اما الديمقراطية في العراق التي جاء بها المحتل الامريكي عام 2003
فهي تختلف جذريا عن كل مفاهيم وتطبيقات الديمقراطية التي نوهنا عنها فهي ديمقراطية عرجاء ملحقة بمحاصصة طائفية مقيته وحزبية ضيقة , ديمقراطية في الظاهر وفي الباطن دكتاتورية اذا لم يحصل فيها توافقات وتوزع فيها غنائم السلطة بعد الانتخابات , ديمقراطية تسمح بان يستعان بالاجنبي لاحتلال البلد بمجرد الاختلاف السياسي , ديمقراطية تبنى على اصوات لعلعة الرصاص , ديمقراطية تدعوا الى التخندق القومي والطائفي وتريد ان تقسم العراق الى اقاليم ... ديمقراطية اعطت رئاسة الجمهورية للاكراد ورئاسة الحكومة للائتلاف الوطني ومجلس النواب للكتلة الاخرى ,
ديمقراطية تعطي المناصب على اساس قومي وطائفي ... فلو كنا حقا دولة ديمقراطية لفتحنا الترشيحات للمواقع الرئاسية بترشيح فردي ومن يحصل على اعلى الاصوات فهو الفائز وقبلها يجب ان نلغي الكتل والائتلافات والترشيح لمجلس النواب على اساس فردي ايضا ولكن هذا لا يرغب فيه الكبار اللاعبين في السياسة وبعد هذا كله فهل يصح ان نقول نحن دولة ديمقراطية ؟ طبعا الاجابة بكلا , قد يصح ان نقول نحن دوله وصلت الى السلطة بواسطة صناديق الاقتراع الانتخابي .
بالامس كانت ايدي العراقيين على قلوبهم وهم ينظرون الى شاشات التلفزة ليطلعوا على ما يقرره مجلس النواب لانتخاب الرئيس والنائبين , الكل كان يخاف ان تعسر هذه الولادة وبسببها تموت الام ( العملية السياسية ) ولكن الحمد لله مرت الامور بسلام وتمخظت الولادة عن انتخاب سليم الجبوري رئيسا للمجلس كل شيء طبيعي ويوحي ان 194 نائبا من اصل 250 حضروا الى قبة البرلمان واختاروا الجبوري , ولكن بعد ان فتح الترشيح لانتخاب النائب الاول ومشكلة ترشيح الجلبي نفسه لهذا المنصب والاعتراضات التي حصلت على ترشيحه وما صرح به بعض النواب علنا بان هناك توافقات اعدت
لتوزيع المواقع الرئاسية مسبقا على الكتل وحددت الاسماء بارادة وقرار رؤوساء الكتل مبينين ان ترشيح الجلبي خارج عن هذه التوافقات واعطاءه اصوات بعدد 107 هي تمثل خرق لما اتفق عليه بينهم وهذه الحادثة كشفت بدون لبس ان من انتخب الجبوري من خارج كتلته انتخبه بعد ان قدم الجبوري ضمانات مشروطه لانتخاب مرشحوا هؤلاء للمواقع السيادية الاخرى والظاهر هذا الاتفاق يسري حتى على توزيع الحقائب الوزارية ... اذن الامر يقرر بالقطع اليقيني باتفاق قادة الكتل السياسية واما اعضاء البرلمان فدورهم لا يتعدى ان يخرجون هذه الاتفاقات عبر التصويت ...من هذا نستنتج
ان اعضاء البرلمان ليس هم اصحاب القرار وانما رؤوساء كتلهم ومن هذا يجب محاسبة هؤلاء الرؤساء عن عرقلة صفقات السلاح للجيش العراقي سابقا وعدم اقرار موازنة 2014 التي انهكت الطبقات المسحوقة من الشعب العراقي وعدم اقرار قانون انفط والغاز وباقي القوانين المهمة التي عطلها المجلس السابق بل رؤوساء الكتل فيه ,واخيرا لقد بانت حالة لا تقبل الشك بان كل الكتل تبحث عن المناصب في الحكومة وربما داخل الحزب او الكتلة يحصل نزاع على هذا الامر كالذي حصل بالامس ... اما ترشيح الجلبي لنفسه لهذا الموقع بغض النظر عن استحقاقه من عدمه , ماذا يريد من هذا الترشيح ؟
من الذي يقف وراءه ؟ هذه الامور لا نناقشها فقط نقول انه بترشيح نفسه دون الاتكاء على حزب او كتله او ائتلاف كان يمثل حقا ديمقرطيا له مارسه بكل حريه وهو بنفس الوقت عملية تمرد على التوافقات السياسية التي تريد ان تغطي نفسها برداء الديمقراطية .