نقرأ في السِيَر الذاتية للزعماء الجدد في العراق أنهم حاملو شهاداتٍ متنوعة في علوم الكومپيوتر . هكذا قرأنا عن رئيس مجلس النواب الجديد سليم الجبوري و نائبه الثاني آرام الشيخ محمد ، و كذلك لفت نظرنا اليوم ، في سيرة المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية برهم صالح كونه خبير كومپيوتر استشارياً . و في مجلس النواب ذاته ، ثمة الكثير من حاملي شهادات الكومپيوتر ، حقيقية ً و فخرية ً و مشتراة . و ربما كان أعضاء الحكومة المرتقبة في الغالب هذا " النوع " أيضاً ، ذلك لأن هذا الإتجاه هو السائد حالياً في " أسواق " الشهادات المحلية و العالمية . هذا الأمر ، يدعو إلى الفخر و التفاؤل بطبيعة الحال . فلما كان العصر عصر الكومپيوتر و النت و الفيس و الواتساپ ، فمن غير المعقول أن تحكم الشعب الرقمي حكومة تناظرية ( أنَلوگية ) تفكر و تخطط و تنفذ وفق الأساليب " المشوّشة " القديمة . لكن ما يدعو إلى التريّث في التعبير عن هذين الشعورين ، أي الفخر و التفاؤل ، هو أنّ العراق ، يبدو في طليعة دول العالم من حيث الشهادات العالية و التخصصات الراقية و الرتب العسكرية ، نوعاً و كمّاً ، لكن الأداء على الأرض لا يوازي حجم التوقّعات الطبيعية ، في مثل هذه الحال . فعلى الرغم من امتلاك بلادنا أكبر عدد من الجنرالات و الفيلدمارشالات ، حتى بالمقارنة مع أميركا و روسيا و الإتحاد الأوروپي ، لكن سلسلة مراتبنا تقطّعت في ميدان المعارك التي لم تحدث ، بغض النظر عن عوامل التواطؤ و الخيانة التي لا يمكن التقليل من أهميتها . و على الرغم من الحجم الكبير و الألقاب الضخمة لإعلاميينا و خبرائنا الاستراتيجييين ، بصرف النظر عن منشأ شهاداتهم ، الذي يتراوح بين " جامعة " سوق مريدي و جامعات الإنترنت الأميركية ، مروراً ببعض الجامعات الرسمية و الأهلية العراقية و الأجنبية ، لكننا عاجزون حتى الآن ، عن الإنتقال من ردّ الفعل السلبي إلى الفعل الإيجابي المؤثر ، في كلّ شيء ، بدءً بالخبر و التحليل و المعلومة و انتهاءً بالإشاعة المدروسة التي تسوَّق عمداً إلى معسكر العدو . و قد يمكن لي تشبيه الحجم الهائل للشهادات المتنوعة عندنا ، بالحجم الهائل و المتنوع لأربطة العنق الفاخرة في العراق الجديد . فنحن البلد الوحيد في العالم تقريباً ، الذي " تتزاحم " فيه أربطة العنق الملونة و تتدافع بالمناكب ، في السوق و العلوة و المقهى و الأزقة و الدرابين المتربة ، بينما لا يرتديها رجال الغرب الحاليون مثلاً إلا في الاجتماعات الرسمية و حفلات الاستقبال المسائية فقط ! بدلاً من حكومة التكنوقراط و نظام الكفاءات و الخبرات الحقيقية ، سيكون لدينا نظام " كومپيوقراط " إدّعائي ورقي ، سيوزّع على الشعب أحلاماً مؤجلة ، عوضاً عن " لابتوپات " مجانية !
|