ما أبعدنا عن كوكب اليابان |
أفرزت الشعوب على مر العصور وقائع وأحداث، أصبح كثير منها لأهميته القيمية وفاعلية تأثيره في مهمة المقارنة بين سلوكيات المجتمعات البشرية، مادة دسمة للتدوين والبحث والتحليل، بوصفها تجارب يمكن الاستدلال بمضامينها على ملامح الحقب التاريخية المتباعدة، فضلا عن عكسها لدرجة الرقي التي بلغتها بعض المجتمعات الانسانية قبالة سبات بعضها الآخر في دياجير التخلف. أسوق هذه المقدمة المتواضعة تمهيدا للحديث عن سلوكية الفريق الياباني المشارك بفعاليات مونديال البرازيل، إلى جانب جمهوره الذي أثبت جدارته بلقب ( الأكثر تحضراً ) بعد أن أبهر بسلوكيته المجتمعات المعاصرة التي تعيش تحت ضغوطات معايير القيم الجديدة التي أفرزتها العولمة، حيث انحنى لاعبو الساموراي في ردة فعل نبيلة بعد إخفاقهم في ربح نتيجة المباراة، تثمينا لمؤازرة مشجعيهم الذين تجشموا عناء الحضور من الشرق الأقصى إلى بلاد السامبا، في إشارة إلى اعتذار الكمبيوتر الياباني الكروي من جمهوره الذي لم تفقده خسارة المباراة أمام الأفيال الإيفواريه، حرارة التشجيع. والأدهى من ذلك أن اليابان خسرت مباراتها، إلا أن جمهورها صدم البشرية بفعل سلوكه الحضاري الذي منحه احترام العالم؛ بالنظر لإيجابية الفعالية التي تفرد بها الجمهور الياباني حين باشر عقب اللقاء طواعية بتنظيف مدرجات ملعب المباراة من النفايات والأوساخ. وهو الأمر الذي أفضى إلى تبادل عشرات الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وسط تعليقات إيجابية، الصور التي التقطها كثير ممن حضر المباراة أو شاهدها بهواتفهم النقالة، فضلا عن تضمين وسائل الإعلام العالمية تقاريرها المعجزة اليابانية التي فرضت على بعضهم وصفها بعبارات مؤثرة. وبعيدا عن كأس العالم، وما آلت أليه نتيجة المباراة وحيثياتها، يمكن القول أن الشعب الياباني الذي تجاوز بمواطنته الصالحة ومثابرته وحسن استلهامه لتراثه الثقافي والإنساني، محنته الوطنية في هيروشيما وناغازاكي، جسد جمهوره بسلوك لا يشوبه تبرير مصطنع، حرصه على التحضر المنسجم مع تبني الروح الرياضية وثقافة التسامح التي من شأنها المساهمة في تقوية وشائج المحبة والسلام وترسيخ روابط الصداقة والتعاون بين الشعوب، إضافة إلى نبل القيم التي عكستها هذه الواقعة التي تفتقر إليها كثير من البلدان الغارقة بالجهل والتخلف، بوصفها معيارا واقعيا لمدى رقي الشعب الياباني وثقافة إنسانه الذي عبر من ثنايا شخصيته عن وفائه لبلده بوساطة إحدى صور المعاصرة التي تفصلنا عنها مئات السنين. تحية للإنسان الياباني الذي فرض على العالم نزع القبعات والوقوف منحنياً أمام قدسية انتمائه الوطني الذي ترجمه بسلوك يعكس حرصه على سلامة وطنه وصيانة سمعة بلاده، فاللاعب الياباني ينحني احتراماً لجمهوره الذي انحنى هو الآخر، ولكن ليس لرد التحية، إنما للولوج تحت كراسي الملعب؛ لإزالة أرضيتها من النفايات!!. وليتنا نتعلم من ( كوكب اليابان ) هذا السمو في التحضر والتعبير عن الانتماء إلى الوطن. في أمان الله.
|