كيف ينجح رئيس وزراء العراق المقبل
لما كانت الامثال تضرب ولا تقاس ، فاني ساسمح لنفسي بالعودة الى الوراء اربعة عشر قرنا فالقي نظرة على حكومة الامام علي "ع" التي اسسها في الكوفة وهي من حواضر العراق آنذاك . يجمع المؤرخون على ان المسلمين لم يتوسعوا في عهد الامام "علي" شبرا خارج الحدود كما فعل اسلافه واخلافه . هنا يرى البعض ان عليا لا يؤمن بشرعية التوسع باعتباره غصبا وجورا ، فيما يعزو البعض الاخر السبب الى انشغاله بالحروب الداخلية و تفصيل ذلك خارج بحثنا . خلال اقل من خمس سنوات من حكم الامام "ع" شنت عليه ثلاث حروب مدمرة ، تقول اقل الروايات تشاؤما ان ما مجموعه خمسون الف مسلم قتل فيها ، اي ما يعادل اكثر من نصف مليون نسمة في عصرنا الحاضر . و نتيجة لتلك الوحشية الاموية ، فان قارىء التاريخ الساذج يرى في زمن الامام علي عهدا للحروب الداخلية و تصفية الاصحاب واهدار الموارد و تفكيك لحمة الاسلام وسداه . العراق نفسه العراق و " الناس كالناس والايام واحدة " كما يقول المعري . ومن يحجب عن عينيه صورة الامس الداكنة ، لا و لن يستطيع ان ينظر الى صورة اليوم . الجمليون هم انفسهم والصفينيون هم انفسهم والخوارج هم انفسهم لكن باسماء مختلفة فهم اليوم حملة آي فون أس فور وغالاكسي فايف. ولن تحتاج الى عيون زرقاء اليمامة لترى المشهد بوضوح " ومن لم يتعظ لغد بامس ... وان كان الذكيَ هو البليدُ - الجواهري " . الآن : تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً, مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا - الجواهري " . ماذا كان سيجري لو ان الامام "عليه السلام" هُزم في الجمل واخذ اسيرا ؟ ماذا لو انه خسر في صفين ؟ كيف كان سيتعامل معه معاوية و ابن العاص بعورته التي قبحت وجه التاريخ ؟ ماذا لو ان الخوارج تمكنوا من الامام في النهروان ؟ الامام علي لم تكن تنقصه القوة ليبطش بمناوئيه ويفتك بهم قبل ان يستفحلوا . و كان يعرفهم واحدا واحدا لانه عاشهم واحدا واحدا وهو يتربى في حجر ابن عمه رسول الله "ص" . لكنه عليٌ الذي لا يختل ولا يغدر ولا يفجر ، ولو فعل ذلك لاصبح معاوية الاخر وحاشاه الا ان يكون عليا فهو هدية محمد "ص" . فلنقفز الى الامس القريب حيث استحضرت عصابة البعث كل بذاءات التاريخ وذوبتها في بوتقة واحدة ... بداتها بتهجير نحو مليون عراقي اصيل من مدن شيعية بداعي التبعية لايران المجوسية . وهي جريمة نكراء سكت عنها العاوون والعاويات الى يومنا هذا . ثم قتل واحد ٍ من المع فلاسفة ومفكري العرب الشهيد السعيد محمد باقر الصدر لان العصابة كانت تعرف انه رجل بالف واخته بالف . ثم شن حرب ٍ على ايران راح ضحيتها قرابة المليون فيما كانت تخرج مظاهرات في بعض المدن متشفية وهي تصدح : يابو عدي لاتهتم ... شيعة بشيعة يسيل الدم " في اشارة صريحة الى ان الطرفين المتحاربين هم من الشيعة . خلال هذا السنوات العشر قتل او غيب او مات في السجون اعداما او تعذيبا او تجويعا نحو ربع مليون عراقي بينهم عدد كبير ذوبوا باحواض التيزاب ، و كلنا يعرف نسبة الشيعة منهم . ثم حلبجة ، الانفال ، حرب الكويت ، عاصفة الصحراء ... لا يعلم عدد ضحايا هذه المغامرات حتى الراسخون في العلم . ففيما كان السراق يتفننون بنهب ثروات آل الصباح كانت رؤوس اولاد الجارية تطقطق مثل الفشار "پوپ كورن" تحت سرف الدبابات الاميركية في حفر الباطن وسواها . ثم جاءت فترة اذلال واغتيالات مراجع الشيعة والجميع اعرف بتفاصيل تلك الفترة مني . في غضون ذلك كان الحصار الاقتصادي الذي اسس له النظام وكان السبب المباشر فيه ، يغرز انيابه فينخر في جسد اولاد الملحة الذين باعوا حتى شبابيكَ بيوتهم صونا للعرض و الكرامة . والنتيجة، اطفال يموتون بالالاف وآباءٌ يتركون البلاد لابن العوجة الذي اصبحت قصوره بالعشرات . من يعرفني يعرف عني ايضا انني اتجنب دهس نملة تحت قدمي ، فلا فرصة لاحد بالمزايدة علي في الجنوح للسلم . لكنني ايضا اقسم واجزم ان اي رئيس حكومة عراقية قادم سواء اكان جعفريا او مالكيا او شافعيا ، لايطبق ما فعل صدّام بحذافيره ، فانه سيبقى ضعيفا مضيعا منتهكا متميعا فاشلا طائفيا ماجورا مجوسيا امريكيا صفويا ، الى مالا نهاية من الالقاب المعلبة الجامعة للاضداد ، فالنواميس قضت الا يعيش الضعفاء ... ان من كان ضعيفا اكلته الاقوياء . وكل حكمة خلا هذه الحكمة فهي (ثردٌ الى جانب الاستكان) كما يقول المثل الشعبي العراقي ... اما الحديث عن حكم اكثرية سواء سياسية او عرقية او طائفية او جنجلوتية "لا اعرف معناها" فان ذلك من سخف الامور . طاب رمضانكم جميعا