مع زيادة التحذيرات الاممية والاقليمية والمحلية من احتمال توجه العراق نحو الهاوية، ثمة تساؤلات حول هوية الذي يدفع بالعراق في هذا الإتجاه، وحول هوية الذين يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من أجل منع السقوط والإندثار، وفي الأسابيع الأخيرة تم تجاوز الخطوط الحمراء من قبل أطراف عراقية عديدة، وتم التأكد من مشاركة العراقيين في القتال الى جانب مسلحي الدولة الاسلامية (داعش سابقاً) وعراقيين آخرين الى جانب الجيش والقوات المسلحة، وهذا يعني أن العراقيين دخلوا مرة أخرى الحرب فيما بينهم، ولكن على نطاق ضيق في الوقت الحالي، ويعني أن انتقال القتال الى الساحات الواسعة والى المدن المختلطة كبغداد المقسمة طائفيا والتي تعتبر كبركان إذا انفجر، فإنه سيكون من الصعب أن يتوقف أو يسيطر عليه بسهولة. تتطلب مجرد وقت، وتحتاج تهور مقصود واضح المعالم أوحتى غير واضح كي يعلن عن اتخاذ قرار متعجل بالتقاتل في كل مكان بدلا من الذهاب الى اطراف تكريت وسامراء والفلوجة والأنبار.
الأمريكيون مكتفون حتى الآن بتقديم النصائح وتوجيه التحذيرات ولا يرغبون في التدخل بعد تجربتهم السابقة، التي أنفقوا فيها ثروة هائلة وتكبدوا خسائر كثيرة، لا يريدون أن يضعوا أنفسهم في موضع يبدون فيه بأنهم يناصرون جهة على حساب أخرى، والكل يعلم أنه من السهل نسبياً التدخل التقليدي وتغيير الحكومة والاوضاع الحالية، أما مواقفهم المعلنة، فهي خجولة رغم أنهم يعرفون أن هناك دولاً تدعم الميليشيات، وتصب الزيت على النار المتقدة، وأن البعض في الداخل يحاول استغلال الفوضى واستمرار الصراع لمكاسب شخصية وطائفية ومذهبية..
المراجع الدينية تدعو الى حل الاشكالات وتشكيل حكومة تحظى بالمقبولية الواسعة، ومواقفها المتضحة حتى الآن غير حازمة ولاتشير الى إجبار الساسة العراقيين (حتى الآن) على مواقف محددة، إما لأنها غير واثقة من إطاعتها وتنفيذ أوامرها، أو إنها لاتريد فرض نمط جديد من الحكومة، ربما لا تكون أفضل من الحكومة الحالية التي أدخلت العراقيين في متاهات لايعرفون نهاياتها.
وفي الساحة السياسية العراقية هناك من يريد إستمرار القتال وتوسيعه لأسباب يعتبرها فكرة لطيفة وضرورة أخلاقية، وهناك رغبات للمقاومة بحجة الاهانة المستمرة والتهميش والظلم والشعور بالاستياء ولاتخشى من الخسارة كما تقول لأنها لم تعد لديها شيئا تخسره ، وأخرى تستميت من أجل الإحتفاظ بها، وبين هؤلاء وهؤلاء فئة تتظاهر باللامبالاة وتعيش في أوهام وخيال وتعتقد أن الحرب نزهة ولاتخشى من نتائج التهديدات والحرب الأهلية ولاترى نتائجها الكارثية المدمرة..
ولكن هناك فئة عاقلة باحثة عن التهدئة وتستوعب الدروس الكامنة المشابهة، ولاتريد المجازفة وتبحث عن الانفع الذي يستطيع ايقاف آلة الحرب الأهلية، والتدخل حيادياً لوقف نزيف الدماء حتى إن إقتضى ذلك التوسل من الجميع لإيقافها، وتدعو لجلوس العراقيين على مائدة الحوار، ليس للتفاهم على الادارة والشراكة والتوافق، بل للتوصل الى قناعة حتمية التقسيم، والاعتراف بالحقائق التي تؤشر الى استحالة بقاء العراق موحدا بالكامل نتيجة للسياسة المتبعة، وإستحالة الإستمرار في التعايش، ولتقسيم ما هو مقسوم بالعقل والحكمة والمنطق ورسم خارطة جديدة للعراق تعبر عن الارادة والرغبة والجدية، وعدم مسك ذيل الثعبان وتناسي أنيابه، وهناك مثل صيني يقول: أن الصراع كالأفعى أن مسكته من رأسه يضربك بذيله، وإن أمسكته من ذيله يلدغك بأنيابه، وإن أمسكته من وسطه يلدغك بأنيابه ويضربك بذيله...
|