حسين عبد اللطيف سراج الشعر الذي انطفأ مبكراً ... شاكر فريد حسن

قبل أيام انطفأ وغاب عن الحياة الشاعر البصري العراقي الجميل حسين عبد اللطيف ، الذي توقف قلبه عن النبض والخفقان بعد معاناة مع مرض السكري ، وبعد أن حفر حضوراً ثقافياً مميزا في الحياة الأدبية والثقافية البصرية والعراقية . وكان حسين يدرك أن الرحيل أزف والنهاية قد اقتربت ، فيقول في قصيدة له وكأنه ينتظر موته

أسدلوا الستائر 

هو وحده 

من يمتلك وضع اليد

على كل شيء ، 

أوصدوا الأبواب ،

الوقت قارب...،

العربة أوشكت ...،

ليلبث حاملو الزهور ملياً ،

كي يغنوا لي أغنية السلوان 

ويمجدوا رحيلي .

حسين عبد اللطيف شاعر عراقي هادئ ، وصوت أدبي خاص ومتفرد مميز بتجربته وحضوره ، من جيل الستينات . أنه شاعر الصورة والكلمة والدهشة ، الذي لم يعرف نرجسية الشاعر التي تتجلى لدى غالبية الشعراء والمتأدبين ، ولم يتقن فن العلاقات العامة ولا التسويق الأدبي ، ولم يلهث وراء الشهرة والنجومية ، بل فضل العزلة والابتعاد عن دائرة الضوء الاستعراضية والاشتغال على قصائده . وهو من الأسماء الشعرية والنقدية الفارقة في المشهد الثقافي الأدبي العراقي ، وقد أسهم بإضاءة ورفد الشعر وحركة النقد الأدبي العراقي بجهوده ومنجزه الشعري والنقدي ، ورغم عزلته القسرية كان حاضراً بقوة في الحياة الثقافية العراقية ومؤثراً فيها

وبالرغم من أن حسين كان مقلاً في النشر لكنه أثار اهتمام الكثير من الكتاب والنقاد والدارسين ، وكان له منزلة ومكانة خاصة واحترام وتقدير خاص بين مجايليه ، فكتبوا عنه المقالات والدراسات والمداخلات ، ومن بين هؤلاء  : فاضل العزاوي ، طراد الكبيسي ، أديب كمال الدين ، شوقي بزيع ، عبد الكريم الكاصد ، حيدر عبد الرضا ، مقداد مسعود وغيرهم .

وإلى جانب مساهمته على مدى عقود في إثراء ورفد الحركة الشعرية العراقية والعربية بقصائده المخملية الناعمة ، كان لحسين اهتمام في النقد الأدبي ، وله في هذا المجال الكثير من الدراسات والمتابعات النقدية المنشورة في الصحف والمجلات والأدبيات العراقية والعربية المختلفة ، وساهم في تشكيل وعي نقدي، ورعاية وخلق جيل مميز من الشعراء العراقيين .

ولحسين عبد اللطيف خمسة دواوين شعرية شكلت إضافة نوعية للقصيدة العراقية المعاصرة ، وهي : " على الطرقات ارقب المارة " و"نار القطرب" ، و"لم يعد يجدي النظر " و"أمير من أور" ، و"بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتةمتوالية هايكو " .

حسين عبد اللطيف شاعر مجيد ومطبوع مخلص للقصيدة والهم الشعري ، لم يتأثر بالمألوف والشائع في المشهد الشعري ، وطوال أربعة عقود من الزمن عمل على تجديد أسلوبه وأدواته ولغته الشعرية والاشتغال على قصيدته المكتنزة بالمجازات والصور المبتكرة ، ولم تكن وقود شاعريته وشعره بسبب تجربته الوجدانية والإنسانية الملتهبة بفقدان ابنه فحسب ، وإنما كان مبعثه الظروف الخاصة والأحداث السياسية التي عاشها وطنه العراق ، بلد النخيل ودجلة والفرات ، فتأججت شاعريته ، والتهبت عاطفته ، وتضاعفت حساسيته ، وحملته على الشكوى والبكاء والإحساس بالحزن والألم والقلق والعذاب

وقد جاءت أشعاره ، التي سكب فيها ذوب مشاعره وعميق لواعجه وعصارة قلبه ، مشحونة بعاطفة قوية صادقة ، مليئة بشدة الإيحاء ، ومغلفة بألفاظ وتراكيب تتسم وتتصف بالقوة والجزالة . ومن يقرا قصائده يلمس أنها قصائد حزينة شفافة ونقية كقلمه ونفسه ، فيها البوح والحلم الشعري ، ومشبعة بالوجد والوجع الذاتي والوطني والشعور القومي والإنساني والوجداني .

حسين عبد اللطيف بحق وحقيق شاعر مبدع قدير ومميز ترك بصمات واضحة وملموسة على حركة الإبداع الشعري العراقي ،وإذا كان غاب جسداً ، فسيظل حاضراً بروحه وأشعاره في الأذهان والذاكرة العراقية  ، وفي وجدان المثقفين والمبدعين العراقيين والعرب وكل محبي شعره .