داعش يلعق جراحه و يضع في جراحنا الملح

ملامح شبه كثيرة جداً تجمع بين الإعلام العراقي بشكلٍ عام ، و بين موقع التواصل الإجتماعي الشهير فيسبوك .
في موقع فيسبوك تختلط الحقائق بالمبالغات بالخزعبلات ، فينشأ لدينا في المحصلة النهائية كوكتيل إعلامي رائع طعمه أقرب إلى الصاص ( الكچَپ ) منه إلى العصير الإستوائي المنعش .
تنهمر على رؤوس الأصدقاء و المتابعين في فيسبوك عبارات التحذير و العاجل و التنبيه مرفقة ً بصور الرؤوس المسحوقة و البطون المشقوقة التي تم سحقها و " دعشها " بعون الله ، لكننا لا نخرج في المحصلة النهائية بصورة حقيقية لما يحدث ، مثلاً هل انتصرنا أم انهزمنا ، هل هؤلاء " المدعوشون " قُتلوا عندنا أم عند غيرنا ، هل " دعشناهم " أمس أم قبل شهر ، بل قد يتحفنا أصدقاؤنا و من نتابعهم بأفلام مرعبة لتعذيب مقاتلينا و جنودنا مرتزقة داعش عبر شق جروح في أجسامهم و ملئها بالملح ، ثم نكتشف أن المعذَّبين كانوا جنودنا أنفسهم ، و من عذّبهم دواعش أولاد كلب وقعوا في الأسر مؤخراً !
إعلامنا العراقي الوطني أيضاً ، بمختلف وسائله و وسائطه ليس بعيداً هو الآخر عن هذه الصورة السوريالية . و المصيبة أننا نُجابَه عندما ننتقده مشفقين و ناصحين و بالمأساة معنيين ، بسخرية و تهكّم ، أو في أحسن الفروض و الظروف ، بدعوة إلى رصّ الصفّ الوطني و تجاوز عوامل الفرقة أو القرفة !
فبعد أكثر من شهر على احتلال الموصل و تكريت و إلى آخره ( ما حسبتها ، يمكن أقل ! ) تُسوَّق لنا كوكتيلات صاصية عن سيطرتنا بالكامل على فلان منطقة ، ثم يؤتى لنا في اليوم التالي مباشرة بأفلام پلاي ستيشن لقصف طيران الجيش و القوة الجوية ( لا أعرف الفرق بينهما فالقوة الجوية تابعة للجيش أيضاً كما أعتقد ! ) للمنطقة التي قلنا يوم أمس أننا نسيطر عليها بالكامل ، و هكذا ...
السيطرة بالكامل تعني فيما تعني أيضاً أننا مسيطرون من فوق ؛ من الجو ، بينما يلعب عدوّنا الداعشي بالناس شاطي باطي على الأرض . لذا علينا توضيح الحقائق بالحروف و الأرقام : أين نحن بالضبط ؟
و لا تكفي تبريرات الفريق قاسم عطا الناطق باسم القيادة المسلحة العامة لهذا الخبط و الخلط بأن هنالك أسراراً عسكرية لا يمكن نشرها في الإعلام ، ذلك لأن من حق الجمهور أن يعرف أين يقف حماته على وجه الدقة ، لكي يشدّ من عضدهم و يدعمهم إذا تقدموا ، و يتهيأ و يستعد للدفاع عن نفسه و ماله و عرضه و مقدساته إذا ما تراجعوا و انسحبوا . و هناك بالتأكيد ألف طريقة و طريقة يعرفها خبراء الإعلام لنقل الحقائق إلى الجمهور من دون الوقوع في محظور إذاعة الأسرار العسكرية ، لا شك في أن العميد الشاب سعد معن الناطق باسم قيادة عمليات بغداد يعرف معظمها كصاحب شهادة عليا في المجال الإعلامي ، و هذا الميدان يا حميدان ( أو يا سعيدان ) فإذا لم تنفعنا شهاداتنا العليا اليوم فمتى ستنفعنا !
و حتى ذلك الوقت الذي يخرج فيه إعلامنا الوطني من ظلال التركة الصدّامية الثقيلة بما تعنيه من لغة و خطاب و أغانٍ و قصائد متخشبة و شياب يرقصون و عجائز تدبكن ، سنظل رهائن محابس عديدة ، ليس الوحيد من بينها الموت قهراً بعد قراءة عبارات : عاجل عاجل عاجل .. داعش ينتحر على أسوار بغداد !