تحت الجذر التخريبي

 

علاقة مدرس الرياضيات المتقاعد أبو مازن بالسياسة لا تتعدى احتفاظه بصور زعماء وقادة سياسيين عرب وعراقيين في أرشيف جمعه من مطبوعات يعود تاريخ صدورها إلى ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي ، ولا يخلو الأرشيف من ملاحظات كتبها الرجل بنفسه اسفل الصور توضح نشاط أصحابها ومواقفهم وتحصيلهم الدراسي ، ومناصبهم في دولها ، وتاريخ الوفاة للموتى منهم وأسبابها ، وما يلفت النظر في  الأرشيف التركيز على  حركة العمران في المدن العربية ، كيف كانت سابقا وحالها اليوم، وعند إجراء المقارنة بين الماضي والحاضر  لصور عشرات المدن  ومنها الخليجية ، يبدو التطور مرتبطا بوجود شخصيات تؤمن بالبناء وتتطلع إلى إقامة وطن مستقر واستثمار ثرواته بتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية، والابتعاد عن النزاعات الإقليمية.
في أرشيف أبو مازن  إعلان تكرر نشره في مجلة المصور المصرية ،  لشركة ألمنيوم خليجية كان رئيس مجلس إدارتها عراقي الجنسية على صلة قرابة بأبي مازن ، صورته منشورة  بإعلان الشركة التي أكدت بحسب الإعلان ، أنها ستخصص جزءا من أرباحها لدعم المجهود الحربي ودعم  المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني ، وكتب أبو مازن تحت الإعلان  ملاحظة ذكر فيها ماسمعه عن مدير مجلس إدارة الشركة بأنه اضطر للعودة إلى بغداد استجابة لطلب من رجل أعمال كبير في الدولة الخليجية ،أخبره بأن المسؤولين في دولته ملتزمون بقرارات الجامعة العربية المتعلقة بدعم الشعب الفلسطيني ، وزج  نشاط القطاع الخاص في الشأن السياسي مغامرة خاسرة ، والتعبير عن المشاعر القومية ليس عن طريق الشعارات والإعلانات في الصحف والمجلات العربية ، وفي الصفحات الأخرى من الأرشيف وضع صاحبه صور افتتاح سفارات إسرائيلية في  عواصم عربية ، وهي من وجهة نظره لا تحتاج إلى تعليق ، انطلاقا من حرصه على  الابتعاد عن السياسية وشجونها ودهاليزها لما تخلفه من  تأثيرات سلبية ومضاعفات  على الحالة الصحية والنفسية.
من  المنطق الرياضياتي ابتكر أبو مازن مصطلح "تحت الجذر التخريبي" خصص له باباً في أرشيفه شغل الحيز الأكبر منه ،  وفيه صور قادة  انقلابات عسكرية،  فضلا عن شخصيات سياسية صدرت بحقهم أحكام الإعدام من محاكم عرفية بتهم الترويج لأفكار مستوردة من الخارج  بدعوى تهديد الأمن الوطني ، شعار السلطة المستبدة  في ملاحقة معارضيها ، وتحت الجذر  التخريبي عشرات المدن يعود تاريخ إنشائها إلى عدة قرون ، فقدت مكانتها السابقة بوصفها مدن تجارة و ثقافة  وتعايش وانفتاح ،احتفظت بآثار مخلفات الحروب .
أرشيف أبو مازن  سرد تاريخي يستعرض الأحداث والوقائع بالصورة والوثيقة ، وحين يقلب صفحاته يشعر بالأسى لأن مدن العراق على خلاف  بعض نظيراتها العربيات ،وضعت تحت الجذر التخريبي ،  من دون توضيح الأسباب ، لأنه يرفض الحديث بالسياسة خشية ارتفاع ضغط الدم  ومخالفة نصائح شريكة حياته الحجية أم مازن.