((اعمل على أن يبكيك الناس عندما تغادر منصبك .. كما يحبونك عندما تتسلمه))
التخندق الطائفي والمذهبي والقومي والعرقي في العراق وصلت ذروته ، وليس بإمكان الشيعي والسني ان ينكر ذلك مهما تبجح أي منهما بالأخوة والتعايش ، ولا أعتقد أن أحدا يخالفني الرأي إذا قلت إن سياسيينا من الطرفين قد علمونا الممارسة للمجاملة والكذب والنفاق فيما بيننا بهذا الصدد ، والتي لا تتوقف عند التحايل وتوزيع الابتسامات لإخفاء ما يدور في أعماقنا من حقد وكراهية ، وفي حين نتمنى كل طرف منا أن تحضر ساعة الغضب لنكشف على الملأ المستور والمخفي من ثأر وانتقام الذي يمزق دواخلنا ، والتي حضرت أدواته بعد عملية ما يسمى بتحرير العراق ، وهيأت لها الولايات المتحدة الأمريكية أرضيتها الخصبة تمهيدا لأهدافها الإستراتيجية في المنطقة ، والتي من أجلها رصدت لها الأموال والبشر ، وصنع من الأقزام عددا وعدة ، و الذين يجيدون فن خلق الفتن والنزعات في أبشع صورة ، وسنوات ما بعد(( التحرير )) الأمريكي كشفت تماما بان هذه الدولة كانت على بينة من أن المكلفين بمهمتها بالنيابة قادرون على تمزيق الشعب العراقي وفق المبادئ التي وضعتها ضمن خططها الإستراتيجية ، وتمريرها بما تنسجم مع ضمان مصالحها في العراق والمنطقة عموما ، خصوصا بعد ان تشكلت أول حكومة على أسس المحاصصة الطائفية التي مهدت الطريق للتفكك في النسيج المكوناتي للعراق وكانت بالمستوى المطلوب و (مدهش) ، وما كانت على أمريكا إلا أن تبدأ بخطواتها التالية التي تقربها من أهدافها المعلنة والمخفية ، وبدأت بإصدار أمر تعين عدد الشخصيات الذين جاءت بهم الى الواجهة ليكونوا نوابا في مجلس لم يجد العراقيون منهم إلا الضحك والابتسامات من تحت قبة أسموها بالبرلمان ، والذي كانوا فاشلين في كل شيء ، ولكنهم كانوا متفائلين بما ستحمل لهم الأيام من جاه وثروات وسلطة ونفوذ وامتيازات لم يحلموا بها أبدا لأنها كانت خارج توقعاتهم ، التي لم تكن محصورة إلا في بيت وسيارة وأثاث وبدلات وأربطة عنق وراتب متواضع لا يتعدى حدود بضعة ملايين من الدنانير العراقية دون أية عملات أخرى أجنبية .....
ما يمر به العراق هو نتيجة محتومة لأصحاب تلك الرغبات المجردة من الانتماء والإحساس الوطني الذين لا يتوقفون من ارتياد أسواق المزايدة العلنية لبيع الوطن بأرخص الأسعار منذ عشر سنوات أو أكثر ، وما نراه اليوم على ارض الواقع من انتهاك للسيادة وسلب للكرامة الوطنية في العراق هو اكبر دليل بأن الشخوص التي تدعي الوطنية وراء عمائمها السوداء والبيضاء هم المتاجرون الحقيقيون الذين يقفون وراء الخراب والدمار التي لحقت بأخر ما تبقى من عزة هذا الوطن وكرامته ......
بدليل ان كارثة داعش التي حلت بالعراق من كل صوب قد كشفت ذلك تماما ، وان ألحكومة التي يتزعمها نوري المالكي ، لاتهمها موت الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ ، وهروب مئات الألوف من جحيم الحرب الطائفية بصورتها الحقيقية حفاةً وعراةً ولا تساوي ساعة جلوسه على كرسي الحكم ومتعة النفوذ التي يتمتع بها هو وحاشيته المملوكة للرغبات التي لا تقف عند حد العضوية في البرلمان او حقيبة وزارية بل تتعداها لتكون توسلا وخضوعا حتى للشياطين من اجل البقاء الأطول على سدة الحكم ، وإفساد ما تبقى من قيم وأخلاق الوطنية وشرف المسؤولية ، بمعنى ان العراقي المغلوب على واقعه الأليم ، لم يكن ماضيا و لا حاضرا بأهم من سلطة الكراسي التي يجلسون عليها ، بل كان العراقي ولا يزال مجرد كائن حي لا وجود لكرامته الإنسانية المسلوبة ، ولا وجود لها في أجندات قادته السياسيين الذين انتدبوا أنفسهم كولاة على الشعب دون رضاه ، وجاءت بهم العواصف الرملية حين أرادت أمريكا أن تغير وجوه أصدقاءها الذين انتهت أدوارهم حتى وان قدموا على مر السنين كل الخدمات المطلوبة لها دون جدل ، بل وكانوا حراساُ أمناء على مصالحها في المنطقة ، وانقلبت عليهم ، بل ورافقتهم الى حد منصة الإعدام لتنهي بذلك حقبة زمنية سوداء في تاريخ العراق ، التي كانت من صنيعتها وفق مقاسات ومعايير خاصة التي عززت بها من نفوذها في المنطقة ....
ومن هنا يبدو ان نوري المالكي يتغاضى الدروس والعبر التي لا ترحم حين تحين ساعة الحساب ويتجاهل فن التكيف مع المحيطين به ، حتى اثبت فعلا انه بمستمع جيد للمتفرغين من حوله للتأجيج الطائفي و استفاد كثيرا من نصائحهم الطائفية والمذهبية التي لا تدور الا في فلك التحريض وممارسة القتل على الهوية كبديل لإجراء وطني ومنطقي معقول في مواجهته للتحديات ، والتي باتت تمثل اكبر تهديد للعراق ووجوده ، إلا أن ما يثير الدهشة والاستغراب هو أن المالكي لا يزال يتشبث بالبطولة من مكتبه المحصن بالأسوار الكونكريتية الذي يذهب إليه المصورون بعد طلب خاص لاستدعائهم لينقلوا صورة القائد العام للقوات المسلحة ، وهو بكامل الروح المعنوية يتوعد داعش بإخراجهم من العراق (عاجلاً أم آجلاً) دون أن يتجرأ بزيارة قواته المنهارة في جبهات الحرب للوقوف عن كثب على أسباب داء الهزيمة المستمرة التي أصابت قواته بمجرد ظهور بعض من القتلة الذين قادتهم الهزيمة في سوريا الى اختيار ارض العراق ساحة لأفعالهم القبيحة بحق الإنسان والإنسانية.......
لذلك نعتقد ان المشهد العراقي سيتوجه نحو المزيد من التعقيد والتشابك في ظل الصراع الدائر بين الأطراف السياسية ، والتي بات كل طرف يسعى و يحلم بالمكاسب السلطوية دون التفكير بما آلت إليها الأوضاع من تردي وانهيار حاصل في كل مؤسسات الدولة التي يديرها نوري المالكي بحكومة انتهت ولايتها من الناحية الدستورية ، والذي لم يتمكن منذ تشكيله لها والى الآن ان يجمع من حوله شركائه على أساس وطني ، أو يبني علاقاته مع دول الجوار على حساب مصلحة العراق ، بل فضل ان يرسم دولة دينية على أساس طائفي ومذهبي شيعي خاص بحزبه الحاكم وإلغاء دور الأحزاب الشيعية الأخرى بل ومعاداتهم ومقاتلتهم إذا تطلب الأمر بذلك ، حتى باتت الأنظار تتجه الى المجهول من مستقبل العراق ، في ظل مئات الأسئلة التي تتراكم كل يوم عقب كل توسع ميداني لتنظيمات داعش الذي يزحف أمام فضيحة الهزيمة لقواته التي أثبتت الأيام أنها لا تملك من مقومات الجيش الوطني القادر على حماية الوطن الذي ينتهك سيادته من قبل طائرات السورية وإلآيرانية والتركية إضافة للأمريكية التي تستأنس طياروها بمناظر الخراب والدمار التي لحقت بالعراق ، دون أن يشعر بالإحراج أو يدفعه الغيرة على وطنه ، وهو يتساقط ليترجل من على حصانه الخاسر ، معلنا عن فشله في إدارة البلاد لكي يتحول في نظر العراقيين الى نموذج وطني صادق غير مشكوك في وطنيته وانتمائه ، والى ان يمتلكه الجراءة والشجاعة باتخاذ موقف من هذا القبيل سيكون لنا لكل حادث حديث ..... سلاما يا عراق