المسكوت عنه ٣.. المراهقة آفة العملية السياسية
طوال أكثر من ٣٠ عاماً مارست القوى العراقية العمل السياسي، تارة كمعارضين وأخرى كأصحاب سلطة، ولكن  طيلة تلك المدة لم تتمكن تلك القوى من وضع قواعد للسلوك السياسي، وكثير منها لم تمتلك رؤية لماهية الدولة التي ينبغي ان تبنى، ثم التحق بتلك القوى اشخاص من الداخل في اعقاب التغيير عام ٢٠٠٣، لم يكونوا قد مارسوا العمل السياسي أصلاً، والنتيجة هي أن تشكلت لدينا نخبة سياسية تتصف عموماً بكونها تمارس المراهقة السياسية في أكثر صورها فوضوية.
ان من أهم نتائج تلك المراهقة هي غياب الشعور بالمسؤولية حيال الاوضاع التي يمر بها البلد ويعاني منها الشعب، ففي كل العالم هناك خطوط حمر واضحة تؤطر الصراع السياسي وتمنع امتداده اجتماعياً، الامر الذي نفتقده في العراق، حتى بات استخدام الشعب في الصراع السياسي هو السمة الابرز لسلوك معظم القوى السياسية العراقية، مما عمق انقسامات موجودة اصلاً، وأعاق تلك القوى من تقديم تنازلات ضرورية للتوافق الوطني لا يسمح بها سقف المطالب المرتفع للمكونات الاجتماعية.
لقد اصبح استمرار تلك السلوكيات خطراً بنيوياً يهدد  ليس فقط الاستقرار السياسي والاجتماعي، وإنما وجود الدولة ذاته، ولعل ما يمارس من لعب سياسية اليوم في مسألة الترشيح للمواقع السيادية يمثل دليلاً واضحاً على تلك المراهقة، فاللعب السياسية لا تمارس في ظل وجود تهديد خطير لكيان الدولة، يعد التفاهم السريع أحد أهم بوابات درءه.
ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي، فاليوم الفرصة مواتية لوضع خطوط حمراء أمام كل شخص وكيان ينخرط في العملية السياسية تمنعه من اللعب حين يكون مصير البلد على المحك.
المطلوب من القيادات ذات العمق التأريخي والحنكة السياسية أن تصيغ اتفاقاً وطنياً، تكون احدى أهم نتائجه، ضمنياً على الاقل، أن تحدد سلوكيات السياسيين في إطار الاهم ثم المهم.